مصطفى أبو العزائم

وداعاً أيها الرجل..


[JUSTIFY]
وداعاً أيها الرجل..

الموت حق.. والحياة باطلة.. هكذا تعلمنا منذ الصغر، هكذا علمتنا الحياة.. وهكذا علمنا الموت.

مات الأستاذ والشاعر الكبير محجوب شريف.. رحل عن دنيانا، وهو نموذج للنبل والصدق وطهارة الحرف والقافية.

عرفته ـ رحمه الله ـ منذ وقت بعيد، ولو قدّر الله سبحانه وتعالى لي أن أكون شيوعياً أيام الصبا الأولى لكان شاعر الشعب السبب.

أحببت أشعاره، منذ أن أخذ اسمه يلمع في بدايات حياته الشعرية عندما أخذ يصدر الدواوين، وكنا صبية تجذبنا الكلمة الأخاذة والمؤثرة التي لها وزن وقيمة وقافية، وانجررنا وراء كلماته حتى تلك التي تغنى فيها لنظام مايو، قبل أن تحدث المفاصلة ما بين النظام والحزب الشيوعي السوداني.

أصدر الراحل المقيم محجوب شريف ديواناً تضج صفحاته بالثورة والدعوة للتحرر، كان اسم الديوان الذي يسوّق لفكرة الثورة «أغنيات لمايو» وحمل عدداً من الأناشيد الوطنية التي كتبها الشاعر وتغنى بها الراحل الأستاذ محمد وردي ـ رحمه الله ـ.

حفظنا الديوان كله، ثم انقلب النظام على الشيوعيين، وأخذت قصائد الشاعر تنطلق مثل الرصاص في مواجهة النظام، هو يطلق القصائد ونحن نحفظ، ابتداءً من «ما دوامة صحيح يا شعبنا ما دوامة» مروراً بـ «رغم القيد ورغم السيف راية العزة ما بتنزل».

كان الشعر هتافياً حاراً جاذباً، وحاول أصدقاء مقربون تجنيدنا للحزب الشيوعي من واقع إعجابنا وتأثرنا بما قال الشاعر، بعضنا ذهب في ذلك الطريق، وبعضنا اكتفى بالصداقة ليقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب والتنظيمات، خاصة وأن كل الأحزاب في ذلك الوقت كانت تنشط في تجنيد الشباب لصفوفها، بدءاً من الأحزاب العقائدية اليسارية واليمينية، مروراً بالأحزاب ذات الطرح القومي والعروبي، وانتهاء بالأحزاب الطائفية التي تحاول اجتذابنا بانتماء السلف لها.

في أوائل ومنتصف سبعينيات القرن الماضي كنت مداوماً على الصلاة في مسجد «شيخ أبوزيد» كما كنا نسمي المسجد، والشيخ المعني هو الشيخ أبوزيد محمد حمزة، الذي أعجبنا به وبثوريته وشجاعته وقوة حجته في المواجهة، ومسجده قريب من منزلنا في الثورة، وقد نشط بعض أبناء الحي في دعوتنا للالتحاق بركب الدعوة، وكنت من الذين فاتحوهم في ذلك، وقد أجبت على الدعوة بأن ذهبت إلى الشيخ أبوزيد محمد حمزة، الذي ضحك كثيراً عندما قلت له إنني شاكر تلك الثقة لكنني لا أنفع وسط الجماعة لأن «شيطاني كبير» وقلت له إنني أحب الشعر والغناء.

وهكذا كان حالنا مع بقية الجماعات التي اتخذت الثقافة أو الفكر مدخلاً لاجتذاب الشباب.. وكبرنا وحددنا اتجاهاتنا، لكن ظل أثر الشاعر الكبير محجوب شريف باقياً فينا شعراً وقولاً وسلوكاً وطهراً ونبلاً.

اللهم ارحم محجوب شريف رحمة واسعة، وادخله فسيح جناتك، وأنت تعلم عنه ما لا نعلم، فأنت علاّم الغيوب، اللهم وسع مدخله وتقبله القبول الحسن، والهمنا وأهله وجيرانه وأصدقاءه ومحبيه، وكل البلد الصبر والسلوان وحسن العزاء.

« إنّا للّه وإنّا إليه راجعون »..
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]