شقّيقش قول لي يا مروح؟
إحساس بنوع من التفاؤل المُبهج بثه فيّ عنوان زاوية الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية (العبيد مروح)، في أخيرة الزميلة (الرأي العام) عدد أمس، وأظن أن كثيرين مثلي سربلهم ذات الشعور- فالكاتب هو (مروح)، والعنوان (بشارات الوطني.. وحرية الصحافة).
لكن سرعان ما ارتدّ عنيّ ذلك التفاؤل، ونكص عقبيه، فما أن توغلت في خضم المقال، حتى فجعت بأن لا شيء مما ورد على متنه وتعلق بتفاصيله يدعو حتى إلى التفاؤل الحذر. فـ (مروح)، فبعد أن طاف بنا طوافاً (قدوم) حول (كعبة) حواره (عن أوضاع الحريات الصحفية في البلاد) مع دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، لم يكمل الأشواط فيكشف لنا عمّا تمخض عن (الطواف). فلا يكفي أن يكون (مجلسه) منخرطاً في نقاش (سرمدي) مع متخذي القرار، ولا يكفي تصريح (ياسر يوسف) الذي اتخذه حجة لبشراه، (بأننا في الصحافة سنسمع قريباً ما يسرنا عن الحريات)، بشارة لحريات صحفية محتملة.
إذن، فإن أفضل توصيف لبشارات (مروح)، أنها (لا بشارات). وأنه على عكس ما كتب في زوايته، بدا لي مُنجماً رفيعاً وفريداً، وإلاّ ما الذي يجعله يُبشرنا (بالأنثى) قبل أن تحبل الزوجة.
هذا، غير أنه مروح عندما حاول في مقالة، تبرير حالة الحريات الصحفية الراهنة، وربما القادمه، بمقولات مثل “من الضرورة أن ترتبط تلك الحرية (بالمسؤولية)، تأكدت تماماً من أن الزوجة لن تحبل أبداً، وأنها عقيمة، وذلك ببساطة شديدة لأنه مثل هذه العبارة هي (المسمار) التقليدي الذي يدق دائماً في إسفين الحريات”.
وهي عبارة ملغومة، خاصة عندما تكون الحرية نتيجة للمسؤولية كما أوحى بذلك (مروح)، أي بمعنى (تحلى بالمسؤولية أولاً، حتى نعطيك حريتك)، وهكذا بدا لي وكأنه بمقالة هذا يدشن مرحلة جديدة لمصادرة ذكية للحريات، مصادرة تتوسل تلك التعريفات الفلسفية المجردة، لذلك قلت ومالو فلنتحاور معه قليلاً ريثما نرى ثمرات تباشيره تلك، ونأتيه بـ (كانط) مثالاً، إذ يرى هذا الفيلسوف الألماني أن الحرية من حيث هي ضرورة وجب الانطلاق منها وإلا استحالت استقامة الأعمال، واستحال الجزاء وعمت الفوضى، وإن شأن الحرية كشأن كل معطيات العقل النظري التي تتصف كلها بالضرورة). لذلك يمكن بناء المسؤولية على ما يتأكد من الحرية، فيكون الإنسان مسؤولاً لأنه حر، وما لم، فلن يكون كذلك. ولذلك ينبغي بسط الحريات أولاً، ثم (أوتوماتيكلي) تأتي المسوؤلية كنتيجة لذلك، وليس العكس.
ثم: شقيش قول لي يا مروح.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي