في بيتنا “نفايات نووية” ..!
اشتريت مجموعة من الأكواب في تقاطع شارع البلدية الرئيسي في الخرطوم حيث يوجد “مول على أكتاف الباعة الجوالين”، كل شيء متوفر من المانجو والليمون إلى سكاكين المطبخ وماكينات الحلاقة وسجاجيد الصلاة! كنت مذهولا، نصف دستة أكواب ضخمة من نوع “المق” وشكلها فاخر للغاية، والعجيب أنها بسعر قطعة واحدة. وما إن تجاوزت الإشارة إلا وتبدل الحال وهبطت علي أفكار سيئة للغاية ثم صارت القصة في التخلص منها أشبه بقصة “حذاء الطنبوري” الذي ألجأه في النهاية لمقاضاته في المحاكم ليثبت أنه لا يرغب فيه ولا يخصه ولا يتحمل مسئولية “تصرفاته”.
شاركت من قبل في تحقيق صحفي حول “الإغاثة الملوثة بالإشعاعات” والتي كانت بعض المنظمات تريد شحنها لدارفور السودان في سياق الضجة التي تصم الآذان والتي لا تترك أية فرصة لتثبت أو فحص … من بورتسودان – الميناء في حاويات مغلقة ولمعسكرات النازحين مباشرة ولكن الله لطف. لهذا السبب صرت سريع التصديق لكل الأخبار عن تحويل أسواق العالم الثالث لمكب كبير للسلع الملوثة نوويا والتي تطالب السلطات أصحابها بالتخلص منها عبر شركات معينة متخصصة في إبادة النفايات بطرق علمية … ولكن بعض هذه الشركات “تتجاوز” وتبيعها للمغفلين أمثالنا بأسعار رخيصة مغرية.
حالات الإصابة بالسرطان في زيادة رهيبة للغاية … وليس السودان وحده .. الحالات متفاقمة في عدد من الدول المجاورة. هذه الأقداح التي اشتريتها إذا ملوثة … ولو لم تكن كذلك لما بيعت برخص التراب. لقد اشتريت “نصف دستة” بما يعادل دولارين وهذا يعني أن البائع الجوال اشتراها بدولار … ويعني أن تاجر التجزئة اشتراها من المستورد بسعر دولار للدستة … وهذا يعني أن المستورد اشتراها من السفينة في عرض البحر بسعر دولار للكرتونة الضخمة “أربع دستات” … تخيلت عندها المرحلة السابقة لهذه العمليات التجارية … كارثة نووية حدثت في بلد آسيوي … الحكومة تكتمت عليها وقللت من حجمها ولكن من باب الاحتياط طلبت من كل المصانع التخلص من المنتجات … مصنع أوان منزلية لديه ثلاثين حاوية … في كل حاوية 500 كرتونة … عرضها على أحد تجار المحيطات ضعيفي الذمة … اخذها وباعها بتسعيرة واحدة في العالم … دولار للكرتونة.
عدت لنفسي موبخا لهذا الخيال المجنح الطائر عبر المحيطات … ولكنني لم آخذها للبيت … قلت طالما هنالك “شكوك إشعاعية” سأذهب بها للمكتب لان الإستهلاك أقل ودرجة التأثر بالإشعاع أقل … وبقيت متشككا ومترددا في استخدامها … وفي يوم نسيت الأمر وسقيت فيها ضيفا لي شايا بالحليب وتآنسنا كثيرا … وفجأة قال لي … جميلة هذه الأكواب … زخارفها عصرية وتراثية في آن واحد … لقد اشتريت مثلها من إيران قبل سنتين!
ازدرت ريقي وربط ذهني بسرعة البرق بين المفاعل النووي الإيراني وأكوابي الستة … انتظرته يغادر لأجمعها وارميها في مكب النفايات … في طريق العودة للمنزل توقفت جوار المكب … تذكرت أنها “نفايات نووية” ويجب أن “تدفن في مكان لائق” … وقلت سأذهب لمكب آخر بعيد من المدينة … أو سأرميها في النهر … تذكرت أنها ستلوث الأسماك وتفتك بها … تخيلت جثث الأسماك الطافحة بسببي … نسيت الفكرة.
قلت لنفسي لو استمر الأمر سأصاب بالجنون وليس السرطان وبقيت أفاضل بين المرضين … وتذكرت نكتة المسطول الذي اشترى سيجارا فوجد عليها عبارة “السجائر يسبب العجز الجنسي” … عاد للمتجر وقال له … “انت السجاير بتاع السرطان وين؟!”
ومع هذا “الرعب النووي” اتخذت قراري ورميتها في أول مكب نفايات في طريقي ولزمت الاستغفار في طريق العودة تحسبا لوفاة قطة بالإشعاعات.
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني