فكوا فيهو البقر
حُكي أنه بعد أن قطف القطفة الأولى من الطماطم حملها للسوق يسبقه الشوق قبل العين لأنه يحمل طماطم بشائر ولكن للأسف وجد (السوق ضارب).. وهذا مصطلح يستخدم في حالة تشبع السوق بسلعة ما لدرجة يكاد ينعدم فيها الطلب. فكان سعر البيع أقل من تكلفة الترحيل. فعاد من السوق وأصدر أوامره بأن يتوقف قطف الطماطم تماماً وتترك للبقر لكي يرعاها فكان منظر اختلاط السيقان الخضراء مع الطماطم الحمراء يفجع قلب الزارع.
تكرر نفس المشهد مع البصل لأنه حسب تكلفة الحصاد اليدوي أي بحت البصل مضافاً لها سعر الجوال ثم تكلفة الترحيل وأتاوات الطريق من زكاة وضرائب قومية وضريبة سوق والذي منه سوف يجد هذه تفوق سعر البيع فتعوض الله في موسم البصل، وأصدر أوامره (فكوا فيه البقر). يواصل صاحبنا قائلاً إنه ليست هناك مشكلة كبيرة بالنسبة له فحالته ميسورة فهو مزارع وصاحب سعية وقد سبق له أن جنى أرباحاً طائلة من الزراعة في مواسم سابقة ولكن المشكلة في الفلاحين الذين يعملون معه فهؤلاء شغيلة يعتمدون على ضراعهم ويعملون بنظام الشراكة تفصيلها أن تكون التحضيرات الأساسية من ماء وحرث على صاحب الحواشة أو المزرعة بينما المدخلات من سماد ومبيدات تكلفتها مشتركة أي تخصم من الكوم بعد البيع أما الفلاح فيقوم بكل العمليات الفلاحية ففي حالة الكساد هذه يحتسب رب العمل ما بذله من مال ويحتسب الفلاح ما بذله من جهد عضلي فلكم أن تتصوروا حالة شخص يعمل لمدة كذا شهر على مدار اليوم ثم يكون عائده صفرًا.
ماحدث للبصل والطماطم حدث للكسبرة والبطاطس حتى البلح هذا العام شكا من الركود بالطبع هذا يرجع لعدم التصنيع الزراعي وبالمناسبة في جنوب شرقي آسيا أصبح التصنيع الزراعي من الصناعات الخفيفة جداً فماكينات الصلصة وتجفيف البصل أصبحت توجد في أي بيت مزارع فثمنها أقل من ربع ثمن عربة فارهة من اللماتتسماش لكن نحن في السودان تمول بنوكنا العظيمة شراء العربات وبناء العمارات وتعتبر تمويل أي شيء له صلة بالزراعة مخاطرة كما أننا والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواء لدينا دولة تعتبر الإنفاق على الزراعة أقل أهمية من الإنفاق على هياكل الحكم وبهرجة الحكم والحوار مع أصحاب أحزاب الهايس أهم من الالتفات لقضية المنتجين المعسرين.
هناك زاوية أخرى يمكن النظر منها لهذا الكساد في المنتجات الزراعية فهذه الوفرة ليست على حساب أي محصول آخر. فالقطن قد خرج من الدورة الزراعية من زمن القمح ..مازال المتربصون به كثر فهذه الوفرة جاءت نتيجة لمبادرات من المزارعين ودون أي دعم من الدولة ولو بمليم واحد. وملاحظة ثانية أن هذه الوفرة لم تأتِ من مناطق الزراعة المطرية إنما من المشاريع المروية كمشروع الجزيرة وفي تقديري أن المزارعين بادروا هذا العام نتيجة لوفرة الري بعد تعلية الرصيرص وهذه المنتجات الغذائية العالم في حاجة لها أي سوقها في الخارج جاهز فما على الدولة إلا أن تأخذ هذا المعطى بضم الميم الذي وقع لها من السماء وتيسر إدماجة في الحركة الاقتصادية للبلاد وذلك بأن ترفع يدها عنه وتتركه للقطاع الخاص وأي كلام عن تقليص المساحات أو توجيه المزارعين لزراعة محاصيل أخرى يعتبر رفساً لهذه النعمة وإن شاء الله لنا عودة في الحتة دي.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]