الهوية في ميزان العقل والدين
أسباب قاهرة وخاصة منعتني من أن أشارك بالحضور في (ندوة الهوية السودانية) التي انعقدت وقامت قبل أيام بقاعة الشارقة في جامعة الخرطوم، والتي تحدث فيها عدد من الخبراء والعلماء الأجلاء، من تحت مظلة (مركز بناء الأمة) الذي ينشط من خلال هذا الطرح العلمي الموضوعي الذي يعمل على (تشريح) الأزمة، وتقديم (الوصفة) العلاجية، وقد اطلعت على ما دار في الندوة التي ننشر اليوم تقريراً عنها بالداخل، وقد تحدث فيها السيد الطيب حسن بدوي وزير الثقافة الاتحادي، والمهندس الحاج عطا المنان راعي المركز وآخرون، لكن مجمل ما يمكن أن يكون نتاج تلك الندوة، هو (حسن إدارة التنوع).
ü سبق لنا ومن خلال هذه الزاوية أن تطرقنا لموضوع الهوية، خاصة بعد وروده ضمن مرتكزات خطاب السيد المشير عمر حسن البشير رئيس الجمهورية في يناير الماضي، أو ما عرف بخطاب (الوثبة).. وها هي ندوة مركز بناء الأمة تعيدنا إلى ذات الموضوع من زوايا أخرى، نسأل الله التوفيق في عرضها، من خلال تلك الزوايا، بالاستناد على مفاهيم العقل والدين والفلسفة، فالهوية لها مكونات وعناصر وقبل ذلك مباديء، تتطلب أن تكون منسجمة مع معطيات الفكر الدستوري والقانوني والسياسي، المستند على اعتماد مبدأ المواطنة دون تمييز بسبب لون أو عرق أو دين، باعتبار أن المواطنة هي المعيار الجوهري لتحقيق المساواة بين جماعة من الناس تجمع بينهم عدة مكونات، من بينها الموقع أو المكان أو الوطن، وأن تكون لهم ذاكرة وطنية مشتركة مثل المعاناة من عسف مستعمر أو ظلم حاكم أو جور مستبد يعمل على استئصال جنس لصالح آخر، إضافة إلى وجود ثقافة شعبية مشتركة وموروثة، مثل الكسرة والعصيدة وأنواع الإدام في الأطعمة وعادات الحنة والضريرة، وغيرها من المشتركات في حالات الزواج، وغيرها من المشتركات في بقية الأنشطة الاجتماعية منذ لحظة الميلاد حتى مراسم الدفن ومواراة جثمان الميت الثرى، وعادات الحداد وما يعقبها في المواريث وغيرها، وهذا كله يتطلب التزاماً بعدة حقوق وواجبات مشتركة وملزمة للجميع، مع عنصر مهم هو الاقتصاد المشترك.
الهوية لها أكثر من مفهوم، إذ تعني الإعلاء من شأن الفرد، كما تعنى الوعي بالذات، إضافة إلى كونها عبارة عن سمات مميزة للشخص أو المجموعة، إلى جانب أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة الفرد ولغته وعقيدته وحضارته وتاريخه، لذلك يمكن أن تكون (الهوية الوطنية) جامعة لأكثر من (هوية جماعية) مرتبطة بدين أو لغة أو مكان قد لا يكون له صلة بالآخرين، لكنها تصبح – أي الهوية الوطنية – مجموع سمات وخصائص مشتركة تميز أمة من الأمم أو شعباً أو (مجتمعاً محدداً) أو (وطناً مركباً) عن غيره بحيث يجد أهله أنهم أكثر اعتزازاً بذلك من اعتزازهم بهوية محلية تشكل جوهر وجوده في الحياة لكنها لا تشكل تمييزاً له في الجوانب الشخصية.
الفلاسفة يقولون إن هوية الإنسان هي ذاته، وهي كل ما يشكل شخصيته من قيم وأحاسيس ومواقف وسلوك.
الموضوع كبير يتطلب بحثاً عميقاً، ولابد من أن نحيي مركز بناء الأمة والقائمين بأمره والدكتور الباحث العالم أحمد إلياس حسين، على هذه البداية الموفقة..
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]