جمال علي حسن

حال المواطن في موسم القرارات


[JUSTIFY]
حال المواطن في موسم القرارات

من متابعتنا ورصدنا لاستطلاعات متنوعة أجرتها العديد من المنابر الإعلامية في سياق تقاريرها حول التطورات السياسية التي تحدث في السودان هذه الأيام، نلاحظ أن هناك مسافة تباعد بين شروط تفاعل النخبة السياسية وشروط تفاعل الشعب.. أولوياته وأولوياتها.. ثمة مفارقة كبيرة في الإحساس والثقة من المواطن في أن ما سينتجه هذا الحراك السياسي سيصب في مصلحته ويؤمن استقراره ويرفع عن كاهله أثقال الحياة والمعيشة..

وفي الموسم الذي خرجت فيه أكبر وأهم القرارات السياسية، هذا الموسم الذي يشهد كل هذا التطور السياسي ينتظر المواطن شيئاً ملموساً، يحلحل رباط الحبل الذي يطوق بطنه ويكبل إحساسه وتفكيره ولو قليلاً.. ينتظر المواطن ( قولة الخير) المعيشية على مستوى احتياجاته اليومية.. الأسعار التي قفزت بعيداً بعيداً.. أعلى من مستوى إدراك النظر بالعين المجردة..

دور الدولة في إسناد ودعم المواطن بشكل مباشر حتى ولو استثناءاً على قوانينها واستراتيجيتها.. ولو بمنطق الطوارئ الاقتصادية كي يتمكن من استعادة عافيته ولو جزئياً.. و(يشيل حيلو) ويتجاوز مرحلة الضغط العالي هذه..

مثلما أودعت قطر استثناءاً، مبلغ المليار دولار خارج النظم التقليدية والروتينية المتوقعة في الإقراض، نتوقع نحن أيضاً أن تفكر الدولة في تقديم نوع من الدعم للمواطن لمعالجة أولويات المعيشة، وفك الضائقة وتقريب المسافة بين الدخل الأدنى والمنصرف الاستهلاكي المعيشي من أكل.. شرب وعلاج.. هذه الثلاثية القاسية يجب أن تعود الدولة لتتحمل مسؤوليتها فيها ولو بالتدريج.. فكل شئ يتم بالتدريج. لكن المهم أن يبدأ ليثبت صدق النية في إنجازه..

ومثلما استنكرنا على الرافضين للحوار تلكؤهم وترددهم في التعامل مع الخطوات الإيجابية حين اعتبروها منقوصة، فإننا نطالب الحكومة بتقديم خطوات إيجابية إسعافية مباشرة للمواطن الذي يحتاج لطاقة استثنائية تمكنه من مغادرة محبس الضيق المعيشي، بل ربما يحتاج حتى للدفعة النفسية التي تمكنه على الأقل من تحمل مايكروفونات- التسعين حزباً الذين سيسهبون في الكلام.. والكلام المضاد.. و(البري) السياسي، للدرجة التي ربما تجعل المواطن يندم على اليوم الذي طالب فيه بالحريات السياسية..!

هذا على سبيل المزاح، فليس هناك أغلى من الحرية كقيمة إنسانية مهما كانت مزعجة، فهي الأهم.. فقط نريد أن تتحقق للمواطن أشياءً أساسية تجعله يشعر بقيمة المصالحة السياسية نفسها، وينعم بإحساس إيجابي تجاه هذا البلد، ويتعبأ بالأمل في المستقبل مغادراً لكهوف إحباطاته..

آلاف الشباب الخريجين يعيشون حالة إحباط مزمن، وهم يتواجهون بأبواب مغلقة تحول بينهم والطريق إلى طموحاتهم.. يريدون أن يشعروا بقيمة وجودهم ونفعهم لأنفسهم وأهلهم وللسودان..

هؤلاء لن تجمعهم بكم لا مائدة مستديرة ولا قاعة حوار، فقط امنحوهم بعض مفاتيح لبعض هذه الأبواب المغلقة، فهي وحدها تكفي لاعترافهم الكامل وحماسهم الكبير لكل الإنجازات السياسية، وتكفي لاستعادة إحساسهم بقيمة وجودهم في الوطن الذي يحرص عليهم، فيستحق منهم الحرص عليه..

كنا نستنكر على وزيرة العمل تشجيعها لهجرة الشباب من السودان، لأننا نعرف أن دورها الأساسي هو تسهيل استقرار أبناء الوطن بتوفير فرص العمل لهم بالداخل وليس خارج الحدود..

موسم القرارات يا سيادة الرئيس ينتظر منكم قرارات عاجلة أخرى لا تنظر للمائدة المستديرة وحدها، فالمائدة في تقديرنا أخذت كفايتها من وقود الدفع للانطلاق. لكن الموسم لن يكتمل ربيعه الأخضر ما لم ترفع الرئاسة بعض أحزان المواطنين، وتضمد بعض جراحاتهم وتنتشلهم من عوالم الإحباط وكهوفه المظلمة.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي