مهن ومحن (68)

[JUSTIFY]
مهن ومحن (68)

حلم الاستوزار، أي حلم الحصول على حقيبة وزارية يراود الكثير من المتعلمين والمثقفين، فهذه الفئة هي الأكثر طنطنة عندما يتم إعلان تشكيل أو تعديل وزاري، فتسمع الواحد منهم يقول: فلان صار وزيرا؟ علي بالطلاق هو لا يعرف حتى تثبيت «زراير» قميصه أو جلبابه.. وهناك من يقول في مثل تلك المواقف: خلاص البلد خربت لأن فلان وعلان أكبر حرامية ولو أعطوا أي واحد منهم وزارة المياه الجوفية راح يشفطها في ليلة واحدة.
مارست الهذيان كثيرا عن رغبتي في حمل لقب «وزير سابق»، أي أن أصبح وزيرا لحين من الزمان ثم يتم إنهاء خدماتي وأعيش كما جميع العرب على المجد الغابر، ولكن بكل صدق وأمانة، لو عرضوا علي وزارة كاملة الدسم وقالوا لي أنت بابا وأنت ماما وأنت أوباما، وإذا ما قبلت المنصب الوزاري ستروح البلد في ستين داهية، فسأقول لهم: خلوها تروح في مليون أُس تريليون داهية، وليس مرد ذلك أنني أكره المناصب الكبيرة (وحلم كل موظف وعامل بالغ وراشد أن يترقى ويفوز بأعلى المناصب)، ولا أنني أشك في قدراتي واعتقد أنني سأفشل في مهامي الوزارية (وأعرف أشخاصا صاروا وزراء بينما لا تؤهلهم قدراتهم لمناصب موظفي استقبال في فنادق بلا نجوم)، ولكن لأنني أتهيب أن أكون موضع مراقبة ومحاسبة من شعب بأكمله، ولأنني أعرف أن «الوزارة» من أقل المناصب أمانا، بمعنى أن الوزير لا يحس قط بالأمن الوظيفي، فتراه دائم الشمشمة لأخبار التعديلات الوزارية، ويتحسس رقبته كلما اتخذ الحديث عن تلك التعديلات طابعا جديا، ويقال إن وزيرا كان نزيل المستشفى عندما تحدد موعد إعلان تشكيل وزاري جديد، فاتصل به رئيس الجمهورية ليطمئن على أحواله، وسأله: كيف الصحة؟ فردّ الوزير المريض: كان بالي في «المالية والتجارة».
باختصار فالوزير حائط قصير، والعمر الزمني المهني للغالبية العظمى من الوزراء قصير، فكلما أحست الحكومة بزنقة، طارت رؤوس عدد من الوزراء، وهناك وزارات ما كنت سأقبل بها حتى لو تكفل براتبي بيل غيتس والوليد بن طلال ووارين بافت، وأعطوني مكتبا يطل على بحيرة جنيف أو في قلب مدينة ديزني في أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية، وهي وزارات الداخلية والصحة والتعليم والبلدية، فمهما اجتهد من يشغل تلك الوزارات فإنه لن يمر يوم من دون أن يحمله الناس مسؤولية تقصير ما، فلو تعرضت دراجة يونس للسرقة، قال إن وزارة الداخلية مو شايفة شغلها، ولو استمرت النزلة الشعبية مع محسن أسبوعين، فإن ذلك بسبب بؤس الخدمات الطبية، ولو اكتشفت سلوى صرصارا في حمام البيت، فإن وجوده دليل على أن وزير البلدية لا يعرف واجباته نحو المواطن، وعندما يرسب الولد الكتوموتو ثلاث مرات في امتحان الشهادة الثانوية، فلأن وزارة التربية والتعليم مقصرة وتوظف مدرسين فاشلين (يقال إن رجلا فوجئ بصدور طلقات نارية متتالية من بيت الجيران، فارتدي ملابسه على عجل وهو يتساءل: يا ربي هل قامت زوجة جاري بانقلاب واستولت على السلطة؟ تبقى مصيبة، لأن زوجاتنا أيضا سيطالبن بالحكم الذاتي او الاستقلال التام بقوة السلاح!! لا.. استغفر الله، الاحتمال الأكبر أن جارنا تعرض لغزوة من شبيحة بشار الأسد وأكيد قتلوا عائلته وصادروا ممتلكاتها، وخاصة أنها عائلة شبعانة وتعشق العنطزة والاستعراض بأموالها.. المهم دخل صاحبنا بيت الجيران بعد أن وجد الباب مفتوحا وفوجئ بأهل البيت والسعادة في وجوههم فسألهم عن السر في كثافة النيران التي انطلقت من بيتهم، فقالوا له: ولدنا نجح في الشهادة الثانوية!! ألف مبروك.. جاب كم؟ قالوا: جاب 50%!! فسألهم: بس كل هذه الطلقات وفشلتم تطخوه؟).

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version