مهن ومحن (70)
أؤكد مرة أخرى أن التمثيل مهنة سهلة، وليس هناك ما يبرر أن يكسب البعض الملايين باحتراف التمثيل، ورغم أن فاروق الفيشاوي تكرم مشكورا وطفشني من الأفلام العربية منذ أكثر من ربع قرن، فإنني مقتنع بأنه من بين جميع من شاهدتهم على الشاشات العربية على مدى سنوات طوال، لا يتفوق عليّ في التمثيل سوى الراحل احمد زكي والممثلة عبلة كامل، واعتقد ان السرّ في تفوقهما هو أنهما لا يعطيانك الانطباع بأنهما يمثلان، بل تحس بأنهما شخصيات حقيقية في مواقف حقيقية!! فماذا يعني ذلك؟ يعني أن معظم الممثلين ينفعلون بشكل متكلف، وبالمقابل فحياتنا صارت في معظمها تمثيلا في تمثيل: تعود من العمل وأنت تعرف أنك وعدت زوجتك قبلها بساعات عبر اتصال هاتفي بأن تأخذها لزيارة أمها، ولكنك تشوف العمى ولا تشوف أمها، فتدخل البيت وتفتعل مشاجرة مع زوجتك، وحتى عندما تفشل في جرها إلى مهاترات، تنفجر في وجهها: أنت باردة ومسوية حالك في منتهى الأدب والهدوء منشان أطلع أنا المتوحش.. طيب أنا تارك لك البيت منشان ترتاحي من «الوحش».
التمثيل في معظم الناس موهبة فطرية، وقد أثبتت دراسات قام بها علماء نفس واجتماع أن 90% من بني البشر يكذبون نحو 40 مرة يوميا، والكذب «تمثيل» ويستطيع كثيرون أن يقنعوا أبرع الأطباء بأنهم يعانون من آلام مبرحة في البطن أو الظهر للحصول على إجازات مرضية، وفور خروج هذا النوع الكذاب من غرفة المريض يضع ورقة الإجازة في جيبه ويرمي بأوراق الفحص المختبري والإشعاعي في أقرب مقلب قمامة، ويستطيع طفل في التاسعة من العمر أن يقنع أهله أنه رسب في الامتحان لأن قلبه المرهف الحنون لم يتحمل منظر المسكين فنجاط ودموعه تنهمر بعد أن عجز عن حل أي سؤال فمدّ له ورقة بها الأجوبة فعاقبه المراقب بأن اعتبره راسبا في الامتحان، بينما حقيقة الأمر هي أنه من كان يمارس الغش فقفشوه وكمشوه وأعطوه صفرا مطرزا.
بعدين ما تقول أنا مو وسيم.. أنا مو حلوة وبالتالي لا أصلح للتمثيل، فآفة وعلة التمثيل السينمائي والتلفزيوني عندنا هو أن التعويل يكون على شكل الممثل/ الممثلة، ولو حباك الله بعين ناقدة (وليست زائغة) فقد تدرك أن مثلا ليلى علوي وإلهام شاهين وهند رستم ممثلات من الدرجة الخامسة، ومستوى جمالهن عادي جدا، وكل ما هناك أنهن وجدن الجرأة على اقتحام ميدان تتحاشاه عمدا ملايين الفتيات والفتيان.. ثم تعالوا ننظر الى المسألة من جهة أخرى: هل عادل إمام ويونس شلبي وسيد زيان أحلى منك؟ (بلاش شعبولا لأنه حتى جعفر عباس مقارنة به توم كروز، وهو ممثل أمريكي فاشل وتعابير وجهه مثل مريم فخر الدين – واحدة في كل المواقف في كل الأفلام، ولكن الصحافة تصوره على أنه شخص وسيم).
ورغم أنني مقتنع بأنني ممثل ممتاز وبأنك ممثل جيدا جدا، جدا، فإن ما يمنعنا من استغلال مواهبنا على الشاشات هو «الحياء»، لا أتخيل نفسي ولو أعطوني كنوز الدنيا أبوس بنات الناس بذريعة الحب أو الزواج الافتراضي ليراني الملايين وأنا أفعل ذلك.. ولا أتخيل نفسي وأنا أدخن سيجارة حشيش (ولو كانت غير حشيش) أو أحمل مسدسا لأنهب مصرفا أو أقتل أو أجرح شخصا لأن السيناريو عايز كدا، ولنفس هذا السبب تفوز بلقب ملكة جمال هذا البلد أو ذاك واحدة، توجد من حولها آلاف الفتيات اللواتي لا يقبلن بها حتى وصيفة، وكما قلت في البداية فإن المسألة تحتاج إلى «جلد تخين»، لا يتأثر بالقيل والقال بل يفتعل الأمور كي يكون هو/هي موضوع القيل والقال.. وكفاية علينا التمثيل اليومي الذي نمارسه ونحن نمارس ما نسميه الكذب الأبيض، والكذب التركواز.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]