تحقيقات وتقارير

بعد تزايد ظاهرة اختلاسات البنوك :خبراء اقتصاديون ينادون بإعادة هيكلة المصارف إدارياً وليس تقنياً


بعد أن طغت على الجهاز المصرفي السوداني في الآونة الأخيرة ظاهرة التعثر المصرفي التي وصلت إلى 26% من جملة العمليات الاستثمارية بها وانخفضت إلى 22% بعد المعالجات التي انتهجها البنك المركزي يبدو أن النظام المصرفي لا يعاني من هذه الوعكة فحسب بل إن به من الأدواء الأخرى التي تعتبر أكثر خطورة من ظاهرة التعثر التي تعاني منها المصارف السودانية لارتباط الأنماط الأخرى التي يأتي في مقدمتها اختلاسات الموظفين بعاملين يصعبان من مكافحتها أولهما أنها تتم بواسطة من هم بداخل المصارف اي الموظفين وهؤلاء لهم بطبيعة عملهم ستار يؤخر إن لم يصعب كشف التجاوز والثاني أن العمليات تتم بواسطة استخدام التقنية الحديثة الأمر الذي يساعد هو الآخر في صعوبة اكتشافها.
الخرطوم/ محمد صديق أحمد
ولكن يبدو أن بنك السودان المركزي قد فطن لهذه الظاهرة وجه فيه المصارف بضرورة بسط السيطرة والرقابة على الأجهزة والموظفين حتى لا تتفشى عمليات الاختلاس بعيدا عن أيدي الرقيب لذا لا شك في أن ثمة ما يستوجب المراجعة والوقفة العجلى للأنظمة المصرفية بالبلاد . حاولت الصحافة الوقوف على آراء بعض المختصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي فماذا قالوا ؟
يقول البروفيسور عصام بوب إن إشارة البنك المركزي إلى وجود اختلاسات من بعض موظفي البنوك بأية صيغة من صيغ التعبير صراحة أو ضمنا يعتبر بمثابة اعتراف منه بوجودها وهي بالطبع أي الاختلاسات مرفوضة جملة وتفصيلا بغض النظر ممن صدرت إلا أنها تكون أكثر مضاضاة وأثرا على النفوس إذا ما جاءت من المسئولين والمؤتمنين على أموال المودعين في المصارف ألا وهم الموظفون ويرى بوب أن البنك المركزي هو الأمين على ثروة البلاد ويجب أن تكون تعليماته وقراراته ملزمة لكل المصارف بالبلاد ومن حقه سحب رخصة أي مصرف لا يلتزم بها ويقول إن ما أشار إليه المركزي من تجاوزات بعض موظفي المصارف حقيقي ويشكل تهديدا مباشرا لها ويطعن في مصداقيتها ويهز سمعتها داخليا وخارجيا ويقول إنه سبق أن نبه في كثير من الصحف السيارة إلى وجود مثل هذه الممارسات إلا أنه لا حياة لمن تنادي حتى استبان القوم النصح ضحى الغد وقد طالب كرارا ومرارا بإعادة هيكلة المصارف إداريا وليس تقنيا لأن تغيير الأنظمة التقنية في المصارف بالعودة إلى أدبيات نظام معلومات المصارف يعتبر أمرا محفوفا بالمخاطر بفتحه لثغرات وهذا أمر كلاسيكي موجود في أدبيات المصارف وعلى هذا يتوقع بوب أن المعلومات التي وردت عن تجاوزات بعض منسوبي المصارف صحيحة لأن المصارف السودانية قد غيرت تقنيتها على وجه من العجلة دون اختبارات استباقية أو أنظمة مساندة وهي بذلك حسب بوب تكون فتحت صدرها لثغرات يلج منها كل من تسول له نفسه فعل المنكرات وأوجه الفساد وقال إن على بنك السودان التحقيق بصورة مباشرة وليس عن طريق المنشورات فيما توصل إليه من مخالفات وأن يبسط رقابته وسيطرته على ما هو قادم بمراجعة حسابات المصارف بصورة دورية متقاربة المدى. وقال إن المصارف السودانية ليس بإمكانها تحمل أزمتين كبيرتين مثل التعثر وفساد الموظفين لذا عليه التحرك على وجه السرعة بالتحقيقات وفرض العقوبات لاسيما أن له من المقومات والمعينات ما يمكنه من إنجاز تلك المهمة بكل سهولة ويسر مثل امتلاكه لوحدة معلومات قادرة على جمع المعلومات والتحقق منها بطرق دقيقة الأمر الذي يمكنه من التحقق من كفاءة المصارف يوميا لذا يختم بوب مداخلته بأن الأمر برمته في يد البنك المركزي هو الذي يمكن أن يكبحه أو أن يطلق له القياد فعليه تفعيل سلطاته القانونية وألا يتسامح في أي تجاوز في ظل ما يكتنف الاقتصاد السوداني جراء الأزمة المالية العالمية والتخلل في السياسات النقدية والتمويلية وحذر من مغبة انهيار المصارف لأنه سيتبعا انهيار اجتماعي كامل لن يسلم من قبضته أحد .
أما الدكتور عادل عبد العزيز الفكي يرى أن الفوائد التي يجنيها النظام المصرفي من التقنية الحديثة لا تقدر إطلاقا بالمخاطر التي يمكن أن تنجم عنها فاستخدام اي نظام مصرفي للتقنيات الحديثة في إكمال أعماله وإجراءاته سيزيد حتما من كفاءته وقدراته وكفاءة العمليات المصرفية فيه بصورة واضحة إلا أن عادلاً اعترف بأن للتقنية الحديثة مخاطر متعلقة باحتمالات اختراق أمن المعلومات بالمصرف المعني لكنها بكل المقاييس تعتبر أقل من تلك المحتملة في النظم اليدوية فعلى سبيل المثال يمكن بفضل التقنية الحديثة إغلاق الحسابات يوميا أي بنهاية ساعات العمل بينما في النظام اليدوي يتم اللجؤ لوضع الفروقات فيما يسمى بحساب العهد التي قد تستمر إلى فترة طويلة وقد تكون متضمنة اختلاسات أو عيوباً محاسبية أخرى ويؤكد عادل أن مخاطر التقنية المصرفية الحديثة قليلة لا تقارن بالفوائد التي يمكن جنيها منها وقال إن هناك نظم مراجعة إلكترونية وأنظمة ذكية تمكن من كشف أي تلاعب في البرامج أو أي إدخالات غير مترابطة مما يمثل صمام أمان لكثير من الخروقات التي قد تحدث .
أما المراجع السابق لحكومة السودان الأستاذ محمد على محسي فإنه يعتبر أن مسألة استخدام التقنية الحديثة كأداة لتنفيذ عمليات الاختلاس في النظام المصرفي مسألة معقدة وأن الشبكة الاكترونية تفتح أبوابا لللوج منها إلى للاختلاسات بأساليب ليس للناس عهد بها وقال إن بداية المشكلة جاءت مع إدخال الحاسب الآلي الذي يعتمد على المدخلات والمعالجة والمخرجات في مراحل تشغيله حيث اكتشف أن أي تداخل أو غياب لأي من هذه المراحل يؤدي لخلل يمكن أن ينفذ منه الفساد وعندما تطورت التقانة أصبح الأمر اصعب ولخص الحل في تشديد الرقابة من إدارة المصارف والبنك المركزي على الموظفين وأدائهم.
المصدر :الصحافة