منصور الصويم

سياجات أولاد أمدرمان الثقافية

[JUSTIFY]
سياجات أولاد أمدرمان الثقافية

يحكى أنّ قصة الغازات للقاص المدهش بشرى الفاضل، تعد من أسطع النماذج القصصية من حيث التقنية والموضوع والانتقال السردي في مسيرة القص السوداني، في هذه القصة؛ التي تدور داخل بص مواصلات (غالبا أبو رجيلة وليس الوالي)، تختلط و(تنعجن) شرائح متباينة من المجتمع قبل أن تذوب وتتحول إلى مجرد غازات.. المهم (هنا)، أن أحد شخصيات (بص الغازات) وهو من (الأفندية) يبدو عليه التأفف وهو يسمع راكبا آخر يخاطب السائق، بـ(دور اللخو)، فيأتي رد فعل أفندي الخدمة المدنية (الأم درماني – الإقصائي) المتأفف (اسكت يا إقليمي.. اللخو قال).. وإقليمي تعني من جاء من الولايات والأرياف والهوامش البعيدة عن المركز.

قال الراوي: كما إن من القصص الطريفة التي تحكى عن زمن أمدرماني آفل وقابض، قصة ذلك التلميذ الذي أرسله والده من (الأقاليم) ليدرس ويتعلم في البندر (العاصمة)، والقصة باختصار تقول إن التلميذ ووجه بحصار ثقافي، مديني، أم درماني لغوي عنيف، قارب أن يضعه في (الرف)، لولا ستر الله، ومن ذلك أنه يوما وجد نفسه وحيدا في زاوية من زوايا المدرسة (المدينية)؛ فقرر الترفيه عن نفسه (الأسيانة) بالغناء، ويبدو أنه كان مأخوذا بالعظيم وردي.. تنحنح وتلفت وبدأ يغني (لم يدر أن محاصريه الأمدرمانيين كامنون قريبا).. غنى الولد الإقليمي: “قاسي قلبك عليّ ليه.. لو بحب يبقى ذنبي أيه” إلى أن وصل المقطع: “غلطة قلبي سلمتو ليك.. ما كان مكانو ما كان يجيك”، لكنه ترنم بها منتشيا بالغناء: “مو كان مكانو مو كان يجيك”.. وهنا (بالتحديد) ومن حيث لا يدري قفزت أمامه (عفاريت الثقافة الأمدرمانية الحارسة)، و(نطت) في وجهه من حيث لا يدري وبصوت واحد قالوا له: “وردي ما بقول مووو.. يا متخلف”.

قال الراوي: في الإذاعة السودانية (تيرموميتر السيطرة الأمدرمانية)، لم يكن مسموحا ربما إلى الآن بالخروج عن اللغة المصطلح عليها بـ(الأمدرمانية) في الغناء والدراما والحوارات وحتى النطق (المحور) لأسماء بعض المناطق (الريفية)، فسيطرة أبناء أم درمان (ثقافتهم) على الإذاعة ومفاصل الإعلام (والدولة ذاتها)، هشمت وكسرت بشكل عجيب (ثقافات ولغات ولهجات ووو) إقليمية أو ولائية أو (هوامشية) بدعوى القومية، التي (يتضح الآن) أنها لم تقوِّم شيئا.

ختم الراوي؛ قال: بالتأكيد معاناة (اللخو) (الإبعادية) محدودة لتحركه بشكل أو آخر داخل الإطار اللغوي الثقافي الأمدرماني وإن على التخوم، بعكس (الناطقين بحقهم)، المبعدين باحتقار.

استدرك الراوي؛ قال: من المهم (تخمين) مصير الطالب (الإقليمي – مو).. هل نجح و(قفز) و(حكم) و(انتقم).. أم انزوى و(تلبد) وتوارى (متعقدا)؟!!

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي