عبد الجليل سليمان

وللصحفيين شموع مُضاءة


[JUSTIFY]
وللصحفيين شموع مُضاءة

وإن كانت ضرورية ومهمة بالنسبة للكثيرين، أجد نفسي غير ميّال لتلك الاحتفالات (المؤسسية) التي لا تعقبها نتائج ما، على أصعدة عديدة، أهمها تطوير الأداء المهني، وتحسين بيئة وشروط العمل، وخلافهما مما يؤثر إيجاباً على مخرجات العمل.
لذلك، أجدُني نزّاعاً إلى الاحتفاء بمرور عام على صدور (اليوم التالي)، على طريقتي تلك، ربما لأنني أظن أنها أكثر فائدة من تلك الخطابية المادحة، وهذا لا يعني إلغاء تلك بل هي ضرورية، إذ تعطي زخماً ومرحاً للطقس الاحتفائي، كما تُمثل رافعة معنوية ذات تأثير نفسي عميق وتضفي على النفوس الصحفية المُنهكة جرّاء العمل اليومي الدؤوب، ما يشبه فِعل النعناع بعصير الليمون.
والناظر إلى حال الحريات الصحفية في بلادنا، لن (يغضب) إذا ما صُنفنا متذيلين القائمة، صحيح أننا في كل التصنيفات التي تعتمد معايير متفق عليها دولياً لقياس الحرية التي تتمتع بها الصحف ووسائل الإعلام الأخرى في أي بلد في العالم، لم نوضع كـ (بعرة) تتدلى أدنى الذيل، لكننا ظللنا نقترب مما يُطلق عليها اصطلاحاً بالمثلث الشيطاني باضطراد ودأب شديدين.
الآن، وفي ظل التطورات الجديدة الداعية لإطلاق الحريات ومنها حرية الصحافة، بالتخلي عن سياسيات الرقابة والمصادرة والكف عن الضرب تحت الحزام بـ (منع الإعلان)، وما إلى ذلك من وسائل ضغط أُخرى، هذا كله بمقابل، ولا شيء في هذه (الدنيا) بدون مقابل، ومقابل الحرية هو المسؤولية التي تقتضي بالضرورة إجراءات قانونية (ليست من بينها المصادرة والرقابة) ضد كل من يحاول العبث بها، فلا يمكن أن تبرر الحرية للصحفي أن (يسيئ ويشتم ويتجنى) كيفما يشاء دونما مساءلة.
وتحت أضواء شموع احتفالنا بعيدنا الأول، وبعيداً عن الظلام، ينبغي أن نشير إلى (عيوبنا) كصحافة سودانية، فمعظم الصُحف – إن لم تكن كلها – لا توفر لمنسوبيها بيئة صالحة للعمل، ولا مُعينات تُسهّل إنجازه، ولا تدريب أثناء الخدمة، فيجد الصحفي نفسه لاهثاً يشعر في كثير من الأحيان بالإحباط وربما الإهانة، إذ أن صحفيين كُثر يتلقون رواتب ضعيفة، لا تتناسب مع ما ينجزون، بينما آخرون وهذا ليس من باب الحسد بل من أجل حوار هادئ ومكشوف يمنحون رواتب ضخمة، نظير ما ليس هو أكثر كفاءة وجودة من الصحفي الميداني.
الصحفي مظلوم جداً، مقارنة بكتّاب الرأي والفنيين وخلافهم، وهذا طرح لا يستهدف على أي حال، التقليل من قيمة أولئك أو هؤلاء، بل أن كثيراً منهم يستحقون أوضاعاً أفضل، لكن يظل ظلم الصحفي أكثر مضاضة، لأنه ظلم كدوامة هواء يأتيه من كل الاتجاهات.
وهكذا، تحتفل الحصة الأولى بالصحفيين، وبالحريات الصحفية، فإذ أردتم صحافة جيدة، اطلقوا الحريات، وانصفوا الصحفيين، حينها ستشهد الصحافة السودانية قفزة تجعل نظيراتها في الدول الأخرى محض صحف حائطية، وتجعل الناشرين – حتى لا يظنون أن العبد لله يظلمهم – وأنى له ذلك، أكثر (نغنغة وثراء) مما هم عليه.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي