تحقيقات وتقارير

يشكو منها سكان العاصمة عنف السرقات


في احد احياء الرياض حيث الهدوء والسكينة وفي ساعة متأخرة من الليل وبينما كانت احدى الاسر تنام وادعة آمنة فوجيء افرادها بحركة غير عادية في المنزل وفوجئوا بشخص يتسلل الى داخل المنزل وهو يحمل «سكيناً» كبيرة تشبه (الساطور) ويقوم بانارة المنزل ويوقظ اهله وفي حركة سريعة ينتقي «الام» فيسلط على عنقها السكين ثم يطلب من ابنائها احضار كل الاموال والمصوغات الموجودة في المنزل فيضطر احد الابناء الى تنفيذ طلبه بعد تهديده بذبح الام وبعدما تم له ما اراد دفع الام فالقاها ارضاً دون رحمة ثم لاذ بالفرار بعد ان ترك الابن يبكي وينتحب لشعوره بالهزيمة كرجل ووقوفه مكتوف اليدين حيال رجل يساومه على حياة هي اغلى واعظم من كنوز الارض.

نماذج العنف
في (المنشية) فوجيء صاحب المنزل ومعه احد اقربائه المغتربين بمجموعة مسلحة تقطع «الصخور» وهي تقتحم المنزل ليلاً وتقوم بفتح «الدواليب» والاستيلاء على عدد من «الموبايلات» ومبلغ «007» الف جنيه مما دعا صاحب المنزل لمقاومتهم غير انهم قاموا بدفعه بقوة على الارض فكانت النتيجة «كسر مخروقته» وعلاجه لمدة «3» ساعات باحد المستوصفات الخاصة بمبلغ كبير مضافاً لخسارته السابقة، والطريف في الامر ان المغترب كان سعيداً اذ لم ينتبه اللصوص الى «جلابيته» الموضوعة على الشماعة وفي احد جيوبها كانت تنام «3» آلاف دولار.
سيدة في مقتبل العمر اكتشفت فجأة بان «المكوجي» الذي يأتيها «اسبوعياً» قد قام بسرقة «مصوغاتها» الذهبية ومبلغ كبير من المال وحين واجهته لم ينكر السرقة بل استمر في عمله بصورة عادية غير انه اضمر لها شراً في داخله فبعد انتهائه توجه الى «المطبخ» واحضر «سكيناً» وعاجلها بتسديد طعنات كانت كفيلة بانهاء حياتها ثم لاذ بالفرار، ولكن نفراً من الجيران رأوه وعلى ملابسه آثار دماء فقاموا بمطاردته والقبض عليه وتسليمه للشرطة.
شاب لم يكمل العشرين من عمره استيقظ ليلاً اثر حركة غير عادية بالمنزل فتفاجأ بوجود لص بالمنزل فطارده وكانت النتيجة ان قام اللص بتسديد عدة طعنات له لاذ بعدها بالفرار تاركاً اياه غارقاً في دمائه ولو لا لطف الله وعنايته لكان في عداد الاموات اذ تم نقله الى اقرب مستشفى واسعافه، وعلى الرغم من مرور اكثر من عام على هذه الحادثة إلا انه ما زال يعاني من آثارها حتى اليوم.
كانت تنام ملء جفنيها في امن وامان بعد ان خرج افراد اسرتها وتركوها بالمنزل «نهاراً» وفجأة احست بحركة غير عادية ايقظتها من سباتها العميق لتفاجأ باشخاص يقتحمون عليها المنزل فصرخت بفزع وخوف شديدين فأبى اللصوص إلا ان يسكتوا صوتها الى الابد باغتيالها بقسوة شديدة وعنف لم يرحم سني عمرها «الستين».

الدوافع والاسباب
هذه نماذج قليلة اوردناها على سبيل المثال وليس الحصر تنم عن ظاهرة استشرت في الآونة الاخيرة وشكلت خطراً كبيراً على حياة المواطنين الآمنين ألا وهي ظاهرة السرقة المرتبطة بالعنف والعدوان وقد وقفت «الرأي العام» عندها لمعرفة الدوافع والاسباب التي ادت لنشوئها وذلك من خلال استطلاع آراء المختصين في هذا المجال.
دكتورة رقية السيد الطيب – بروفيسور مشارك بجامعة الخرطوم (علم نفس)، بررت اسباب السرقة المصحوبة بالقتل قائلة: ان السرقة هي الاستحواذ على ما يملكه الآخرون دون وجه حق وهي عادة يكتسبها الافراد اي انها ليست وراثية أو فطرية وهي في الوقت نفسه ليست حدثاً قائماً بذاته وانما هي سلوك يعبر عن حاجات نفسية معينة لدى السارق، ويمكننا فهم هذا السلوك في ضوء دراسة شخصية السارق ومعرفة الدوافع وراء لجوئه الى السرقة، ويمكن ان نرجع سرقة « الشباب» الى اسباب عديدة يمكن اجمالها فيما يلي:
? الفراغ والبطالة لذا نلحظ ان الكثيرين الذين يودعون في السجون لا يجدون عملاً يلبي حاجاتهم المادية فيلجأون الى السرقة.
? التفكك الاسري الذي يكون نتاجاً للمشاحنات الزوجية والطلاق والانفصال اذ بفقدان الاب اما بالوفاة أو الغياب عن المنزل لكثرة السفر أو تعدد الزوجات يجد الفتى نفسه محروماً من العطف والحنان والرعاية الوالدية لذا نراه يقع في ما يحلو له دون رقيب أو متابع، كما ان الشاب الذي لا يجد في منزله الراحة والاطمئنان نراه يلجأ الى اصحابه الذين يجد عندهم الانس والمتعة فيبتعد عن جو البيت الصاخب الذي لا يجد فيه سوى الاوامر والنواهي والاحتقار والاستهزاء واحياناً الضرب والمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة ومن هنا تأتي الخطورة حيث يتعلم الشاب السرقة ممن يخالل وامور اخرى مشينة لا يرضاها المجتمع، فالاصدقاء السيئون لا يأمرونه ولا ينهونه بل يقولون له: ماذا تريد؟ إفعل ما شئت!
? من الاسباب ايضاً ضعف الوازع الديني لا سيما اذا كانت الاسرة غير متدينة فهو لا يجد مثله الاعلى «الاب» على مستوى من التدين والخلق فيسير على نهجه فنراه لا يفرق بين الحلال والحرام ولا الغث من الثمين فالدين الاسلامي حماية للشباب من الانحراف لانه ينهي عن كل ما يضر الانسان فيكتسب الفرد حماية وحصانة ذاتية تمنعه من الوقوع في المزالق والمهالك.
? الاستعداد الفطري للانحراف فاذا كان الشاب يحمل «جينات» موروثة من آبائه أو اجداده فانها تهيء له فرصة الانحراف مع وجود بيئة تساعد على الانحراف.
? الرفقة السيئة، حيث تسهل له الوقوع في فخ تعاطي المخدرات والفواحش بل ربما تساعده هذه الرفقة السيئة بالمال في بداية الامر حتى يقع فريسة في أيديها بحيث لا يستطيع الفكاك من المأزق الذي وقع فيه.
? الضرب أي «العقاب البدني»، اجريت دراسة علمية على فئة من نزلاء السجون فُوجد ان «08%» منهم كانوا يضربون عندما كانوا صغاراً، معنى ذلك ان الضرب يترك أثراً سيئاً على نفسية الصغير تؤثر عليه عند الكبر.
? التنشئة الوالدية السيئة كالتفريق في المعاملة بين الابناء أو تفضيل البعض على البعض أو المقارنة بينهم أو التدليل الزائد أو الاهمال وعدم الرعاية الابوية أو القسوة الزائدة أو التقتير على الابن والبخل مما يدفعه الى السرقة أو الاستدانة من رفاقه السيئين الذين يجدون ذلك فرصة للايقاع به فريسة للمخدرات أو الابتزاز وفعل الفاحشة.
? انخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة يدفع بالشباب الى السرقة لاشباع حاجة التملك عنده.
وكل هذه الاسباب التي ذكرت اذا اجتمعت أو اجتمع بعض منها مع وجود بيئة تساعد على الانحراف واستعداد وراثي تتفاعل جميعها وتساعد على انحراف الشاب، ومع هذا – والحديث للدكتورة رقية – لا نستطيع ان نحكم بأن الانحراف «السيكوباتي» وراثي أو استعدادي أو مكتسب لان الانسان يستطيع ان يتعلم في طفولته كيف يكون سلوكه مناهضاً للمجتمع انانياً لا يعبأ فيه بمشاعر الآخرين، كما قد يتعلم كيف يكون سلوكه اجتماعياً يهتم فيه اهتماماً كبيراً بعواطف ومشاعر الآخرين، وقد يصحب السرقة «القتل» فالذي يهم بسرقة شيء ما ويعترضه مثلاً صاحب المنزل أو المتجر فإنه في هذه الحالة قد يقتله ويرجع ذلك لاحد الاسباب الآتية:
– قد يصاب السارق بالاحباط عندما يحول بينه وبين ما يريد حائل مثل ظهور صاحب الشيء المراد سرقته فيتحرش به وقد يرديه قتيلاً، والاحباط هو عبارة عن عملية تتضمن ادراك الفرد لعائق يعوق اشباع حاجة له مع تعرض الفرد من جراء ذلك لنوع من انواع التهديد.
– قد يقتل السارق من يجده امامه عندما ينوي السرقة دفاعاً عن النفس.
– قد يرتكب السارق جريمة القتل عندما يباغته احد وهو متلبس بالجريمة وذلك خوفاً من كشف أمره والتعرض للسجن والعقوبة.

توتر المجتمع
استاذ علم الاجتماع والانثربولوجي اشرف ادهم -كلية الآداب جامعة النيلين- قال: نتيجة للفترة الطويلة التي عاشها المجتمع السوداني في حالة توتر وعدم استقرار امني نسبة للصراع المسلح في جنوب السودان ودارفور فقد انعكس ذلك على مظاهر سلوك افراد المجتمع، وتظهر هذه الظاهرة بشدة حسب نوع السلوك، فعلى سبيل المثال اصبحت الجرائم مثل السرقات من المنازل مصحوبة بنوع من العنف الذي قد يؤدي الى قتل صاحب المنزل أو فرد من افراد الاسرة وهذا نتيجة للشعور الكامن في عقلية مرتكب الجريمة والذي يقوم بممارسة العنف دون وعي خاصة ان كثيراً من الضحايا الآن اصبحوا من النساء وهذا مؤشر الى ان مسألة استخدام العنف اثناء السرقة هو شعور كامن في العقل الباطن وهو نتاج طبيعي للنزاعات المسلحة التي تحدث حول العاصمة، من ناحية اخرى كلما تطورت اجهزة الشرطة وقدرتها الشرطية على حسم الجريمة كلما صاحب ذلك تطور في نوع الجريمة والادوات التي تستخدم بما فيها استخدام الاسلحة سواء أكانت اسلحة بيضاء أو نارية، ومن اجل الحد من هذه الظاهرة لابد من ان تطور الشرطة طرق بثها للامن في المجتمع.

انفعال لحظي
المحامي محمد عبدالله ابوحريرة تحدث في هذا الشأن قائلاً: على الرغم من عدم ولوجنا الى الجريمة «المنظمة» شأن معظم دول العالم الثالث وعدم وجود شبكات اجرامية أو عصابات جماعية مثلما يوجد في معظم دول العالم اذ ان الجريمة في السودان ولا سيما جرائم العنف والاذى على النفس معظمها يقع دون تدبير سابق وغالباً في حالة «انفعال لحظي». اما فيما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس التي تقع كتابع لجرائم السرقة أو النهب فهي تتفاوت وتتباين وفقاً لطبيعة المنطقة التي تقع فيها حيث تزداد الاعتداءات بصورة سافرة بمناطق النهب المسلح ولا سيما في ولايات غرب السودان وقد اسهم فيها بصورة كبيرة توافر السلاح بحيث اصبح في متاح ومقدور الجميع الحصول عليه. اما فيما يتعلق بسؤالك حول تكرار ظاهرة الاعتداء على النفس في حوادث السرقات الاخيرة داخل ولاية الخرطوم ورغم عدم تبريرنا للجريمة كسلوك اجتماعي مرفوض إلا ان المجتمع قد يسهم بصورة كبيرة بكل قطاعاته الرسمية والشعبية في انتشار هذه الظاهرة، فاذا سلمنا جدلاً بأن المجرم هو ضحية الظروف المحيطة به بدءاً من الاسرة التي تربى فيها سواء أكانت اسرة طبيعية أو ملجأ او دار تربية ايتام وامتداداً للمجتمع الكبير بكل تشكيلاته الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية مع هذا فان هنالك سلوكاً متأصلاً في المجتمع لا يقل (وحشية) وفظاعة عن فعل المجرم الذي اتجه للسرقة فحال القبض عليه سرعان ما يتجمع حوله المواطنون وبدلاً من ان يقوموا بتسليمه للشرطة ليتم اتخاذ الاجراءات القانونية في مواجهته وفقاً للقانون فانهم يوسعونه ضرباً حتى ولو كان «حدثاً» صغيراً لا سيما في حوادث (النشل)، فهذا السلوك الذي يقابل به المجتمع التعامل مع هذه الظاهرة يجعل المجرمين الضالعين بهذا النوع من الجرائم في حالة تحفز دائم لصد اي عدوان متوقع بالقوة اللازمة وفقاً للارث التراكمي للحوادث التي تعرض لها الجناة السابقون المتداولة في مجتمعات المجرمين.
وللحد من هذه الظاهرة يرى الاستاذ ابوحريرة ان هنالك دوراً متكاملاً ينبغي ان يضطلع به المجتمع على كافة مستوياته الرسمية والشعبية والتشريعية والدستورية بالعمل على دراسة اسباب هذه الظاهرة واجتثاثها من جذورها والتعامل معها حال وقوعها في اطار القانون اذ ان التجاوز يدفع لمزيد من التجاوزات والعنف لا يولد إلا مزيداً من العنف، ولا نعفي منظمات المجتمع المدني من تلك المهمة اذ ان بمقدورها ان تقوم بحملات توعية واسعة خاصة في السجون بغرض اعادة تأهيل الجناة حتى لا تكون السجون مرتعاً لعتاة المجرمين لتأليب صغار المدانين وغرس الروح العدوانية بداخلهم.

زيادة مزعجة
في وزارة الداخلية كشف مصدر مطلع بالوزارة لـ«الرأي العام» عن بروز العنف في بعض الجرائم التي وقعت في السنوات الاخيرة حيث وصفها بالعادات الدخيلة على المجتمع السوداني، وقال ان سجلات الشرطة كانت في السابق تدون عدداً من البلاغات الجنائية خاصة جرائم القتل إلا انها لم ترتكب بصورة بها «تشفٍ» كما يحدث الآن، وبين المصدر ان جرائم العنف في آخذة في الازدياد بصورة مزعجة جداً وهذا يدل على تطور الجريمة الذي لابد وان يواكبه تطور في الاجهزة الكشفية والتدريب المستمر.
وأشار المصدر الى ان المباحث الجنائية ووزارة الداخلية بعد اجراء دراسة على جرائم العنف قد شرعت في استخدام التقنية التي تمكنها من الوصول الى اي مجرم مهما كانت درجة ذكائه بعدم ترك اي أثر أو خيط يقود اليه.
واستشهد المصدر ببعض جرائم العنف التي هزت الرأي العام مثل جريمة «السيدة» التي قتلت في «الشهداء» حيث تم قتلها بابشع طريقة وقد هرب الجاني ولم يترك اثراً يوصل اليه، ودونت الشرطة بلاغاً وواصلت التحري وكادت تفقد الامل وبعد ورود عدد من البلاغات لجرائم ارتكبت بنفس الطريقة عثرت الشرطة في جريمة اخرى على «براز» لمتهم وقامت بأخذه وتحليله عبر الـ «DNA» واكد التحليل ان المتهم هو قاتل سيدة الشهداء، وهناك عدد مقدر من الجرائم التي ارتكبت بنفس الطريقة المؤسفة وهذا يدل على تحول وتغير المجتمع السوداني حيث اصبح يميل للعنف والقتل!! والجريمة الثانية وقعت في ضاحية شرق النيل حيث قام متهم بقتل مطلقته وعشيقها بعد ان قام بمراقبتهما الى ان ضبطهما في وضع مخل فقام بقتل عشيقها وطاردها هي واثناء المطاردة سدد لها اكثرمن «7» طعنات قاتلة ولم توقفه توسلاتها اليه بتركها. وهذه الجرائم دليل على التحول الكبير الذي طرأ على المجتمع السوداني الذي لم يكن كذلك قبل سنوات خلت.
وذكر المصدر ايضاً تلك الجريمة التي هزت الرأي العام وهي جريمة «مها» موظفة المجلس الوطني وزوجة ضابط الشرطة المتقاعد والمقيم في «امريكا» وعلى الرغم من انها فضلت ان ترعى والديها كبيري السن الا انها ماتت بصورة وحشية حيث قام الجاني بعملية تدبير قتلها بطريقة عنيفة حيث ضرب رأسها بالارض بعد ان قاومته ولاذ بالفرار، وقد بذلت الشرطة جهوداً مقدرة الى ان تم القبض عليه.
وختم المصدر باشارة منه على ان الاحصائيات تشير الى ارتفاع في نسبة جرائم العنف بصورة كبيرة والدليل على ذلك الجرائم التي ارتكبها بعض الاشخاص الذين قاموا برشق «ماء النار» على وجوه زوجاتهم أو خطيباتهم، وانتقل العنف في جرائم الرجال لنوع آخر حيث قامت الشرطة بالقبض على صيدلي بشرق النيل بعد ان قام باستئجار بعض الاشخاص ليلقوا ماء النار على وجه زميله الصيدلي.
اشراقة حاكم – هادية صباح الخير :الراي العام