تقرير خاص عن “غرف النوم”
دأبت على الدوام، خلال مرافعاتي ومدافعاتي (القليلة) عن ما أسميه (صحافة المنوعات)، على الهمس بأن (المستقبل لها)، وبما أنني غير ميّال للحوار الجهور الغليظ، ذي اللسان الصقيل الهارج، إذ أن مثل هذا النوع من (العك) لا يعدو كونه مضيعة للوقت وتزجية له في طروحات كذوبة وضعيفة في الغالب.
درجت خلال تلك المرافعات على القول بأهمية إعادة إنتاج الحياة اليومية للناس (ليس الحياة الشخصية)، في مواد صحفية (منوعة)، والوصول إليهم في أحيائهم، بيوتهم، أسواقهم، وأماكن عملهم، والتحدث إليهم حول شتى الأمور التي تهمهم وتشغلهم، وقلت إن هذه هي (الصحافة) الحقيقية، التي يسمونها (نبض الناس والشارع، السلطة الرابعة، مرآة المجتمع) وما إلى ذلك من مسميات تشير إلى مهام وواجبات الصحافة الحديثة.
وأشرت غير ما مرّة، إلى أن من يعتقدون أن الصحافة التي يطلقون عليها (رصينة)، لا ينبغي عليها استحضار تقارير صحفية من (عمق الناس) إلى صفحاتها الأولى، بل تكريسها كلها لأخبار وتصريحات جيوش الوزراء والمسؤولين الكبار.
لكن عزائيّ – أن مؤسسات ذات تقاليد صحفية عريقة، ومهنية صارمة، كـ(بي بي سي)، مثلاً، تفرد مساحات مقدرة لما تأنف عنه صحفنا وتعتبره من سقط متاع الصحافة، وها أنذا أستمتع بتقرير مصور نشرته المؤسسة العملاقة على موقعها بشبكة الإنترنت، تحت أيقونتها الشهيرة (تقارير خاصة)، وعنوان (بالصور: غرف نوم الفتيات)، جعلني (أحن/ أرثي) لحال صحافتنا المناكفة في أمور (تم حسمها) ليس في أوروبا وبس، بل حتى في محيطينا (الصحفيين) العربي والأفريقي.
التقرير المشار إليه، والذي حقق نسبة قراءة عالية، ضم مجموعة صور لغرف نوم فتيات من مختلف قارات العالم، (صورة وتعليق من بضعة كلمات أسفلها)، ومقدمة تقول: (تعتبر الغرف مرآة لتاريخ وشخصية وثقافة وولع الفتيات وحالتهن الاجتماعية، كما أنها نافذة وحيدة على عالم الفتيات). ثم وأسفل صورة غرفة نوم (بوغول أنتوني، 23 عاماً) كتب: (إن لديها طفلا كما هي المطلقة الوحيدة في قرية إديا في الكاميرون).
وأسفل صورة (سورايا موليدينا) من باريس، تعليق يقول: ولدت لأب هندي وأم فرنسية، تعيش في منزل عمها، وتقول إن عملها كمصممة رسوم مستقلة لا يكفي للعيش في باريس لأن المدينة باهظة وهو ما دفعها لتبدأ مشروع صغير في الطهو، وهكذا مضى التقرير (صورة وتعليق صغير).
أليس هذا تقريرا صحفيا فذا ومهما، ويستحق الاحتفاء، ويقدم مؤشرات ذكية للقارئ، فيتعرف على أن نسبة الطلاق في (الكاميرون) قليلة جداً، وأن الحياة في باريس غالية جداً، بجانب متعة الاطلاع على عالم شبه مغلق على الرجال كـ( غرف نوم الفتيات).
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي