خيانة الوحدة .. والانفصال!
معنى الكلمة مخيف، ومع ذلك فإن صورة الخيانة تختلف من طرف إلى آخر، وصورة الخيانة يمكن أن يراها أكثر من طرف بأكثر من زاوية، فعندما طالب بعض الشماليين بانفصال جنوب السودان، اعتبرهم البعض من الخونة، رغم أن لدعاة الانفصال قراءتهم وتقديراتهم، ومنطقهم، وكانوا يعتبرون من يتمسك بـ(الوحدة) هو الذي يخون واقعه القيمي والديني والأخلاقي، قبل العنصري.
وفي الجانب الآخر- أي الطرف الجنوبي- ضخم دعاة الانفصال من مطالبتهم بـ(الاستقلال) وزرعوا الخوف في نفوس وقلوب أبناء الجنوب الذين تمسكوا بالوحدة، وكانوا يرون أن فيها حلاً لمشاكل السودان بأكلمه، وظهر الخطاب العدائي والتخويفي والتخويني، وبدأ الطَرقَ على إعتبار أن استمرار الوحدة مع الشمال يعتبر خيانة لأحلام وآمال وتطلعات شعب جنوب السودان، لذلك عندما جرى الاستفتاء كانت النتيجة (متوقعة)، وأصبح دعاة الوحدة القدامى، هم دعاة الانفصال وحماته.
الخيانة هي تغيير غير متوقع في المواقف، أو هي نقض لعهد مفترض، وثقة معتمدة بين فرد وآخر أو بين فرد وجماعة أو بين الأفراد والمنظمات، ويعّرف علماء النفس الخيانة بأنها نقض للعقد الاجتماعي، ويقول بعض الباحثين عن الخيانة، أنها الجريمة الكاملة، بحسبان أن مرتكب الخيانة هو الذي يوقع الأذى بأقرب الناس إليه دون دليل.. ودون عقاب.
نعود لموضوع (الوحدة) و (الإنفصال)، فما نراه خيانة لدى دعاة الإنفصال سواء في الشمال أو الجنوب، لا يراه أولئك الدعاة خيانة، بل يراه اكثرهم إنتصاراً للحق.. بعضنا يريد محاكمة الآخرين بمفاهيمه وقيمه، وينسى أن للآخر مفاهيم وقيم مختلفة.
في لسان العرب لابن منظور يجيء عن الخيانة أنها (الخون أن يؤتمن الانسان فلا ينصح، خان يخونه خوناً وخيانة ومخانة).
وذكر القرطبي أن الخيانة هي (الغدر واخفاء الشيئ، ومنه: يعلم خائنة الأعين- غافر19- وكان عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة).
من صدرت منه (الخيانة) عليه التوبة الصادقة، ومن صدق في توبته رد الحق إلى صاحبه..
الآن تغطي سماء مشهدنا العام كلمات مضيئة مثل (الحريات) و (السلام) و (الحوار) و (التنمية) وكسبنا كلمة جديدة هي (الوحدة) وعلى دعاة (الانفصال) السابقين واللاحقين في الشمال والجنوب أن يتوبوا ويرجعوا عما دعوا له، فقد دفع مواطن (السودان الكبير) الثمن غالياً بسبب أحلام الصغار وتطلعاتهم الجدباء.
اللهم أحمني وأهلي وبلدي من الخائنين الذين أعرفهم وأنت أعرف بهم، ومن الذين تعرفهم ولا نعرفهم.. اللهم زلزلهم زلزلة شديدة، وأصرفهم عنا، وأبعدهم عن طريقنا، وأمنعنا من شرورهم.. ولا حول ولا قوة إلا بك يا الله.. يا رب العالمين…
آمين ..
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]
