تمشي اتنين وترجع تلاتة
في سبعينات القرن المنصرم وبعد معركة تكاد تصل مرحلة كسر العظم بين طلاب جامعة الخرطوم وحكومة مايو قررت الأخيرة إنهاء تلك اللعبة التي لم يكسب منها الطرفان فأسندت إدارة الجامعة للبروفسير عبد الله الطيب وقبل النميري نصيحته بأن يسمح للطلاب بممارسة حريتهم السياسية داخل الحرم الجامعي وجاء ابو القاسم محمد ابراهيم رجل مايو القوي وامين الاتحاد الاشتراكي للجامعة ليعلن السياسة الجديدة فخطب في الطلاب قائلا إن ثورة مايو لا تخشى من الحرية لأن الشعب كله معها وانه يمكن للطلاب منذ اليوم ان يذهبوا لقهوة النشاط ويقيموا ندواتهم ويعلقوا جرائدهم الحائطية ويقولوا ما يشاءون وإنها لحرية من غير حدود وكان يتكلم بنبرة عالية ثم خفض نبرته ولجأ للصوت الغليظ قائلا وبلهجة تحذيرية ولكن لاحرية لجبان ولا حرية لخائن ولا حرية لرعديد ولا حرية لأخ مسلم رجعي ولا حرية لشيوعي كافر بمايو وبغيرها ولا حرية لبعثي عميل ولا حرية لمتمرد عنصري وكاد الطلبة يموتون من الضحك وابو القاسم يعدد في الأصناف المحرومة من الحرية ظنا منه أن الطلاب متجاوبون مع كلامه بينما كان الطلاب يحسون أنهم أمام مهرج كبير.
تذكرت قصة أبي القاسم أعلاه وأنا أقرأ في الضوابط التي وضعت لتنفيذ القرار الجمهوري القاضي بالسماح للأحزاب بممارسة حريتها في التعبير والتنظيم فمثلما لحس أبو القاسم كلامه بعد ان استدرك بلكن فالإنقاذ يبدو أنها استدركت بتفصيل القانون فسحبت باليمين ما أعطت بالشمال فالواضح أن الإنقاذ مازالت مترددة في حكاية الحريات هذه ويبدو ان تجربة مايو التي اصطلح على تسميتها بالمصالحة الوطنية 1978 والتي استفاد منها الاخوان حيث تمسكنوا الى أن تمكنوا ظلت بمثابة جرس الإنذار لهم فجماعة الإنقاذ خائفون من كوة الحرية إذا اتسعت مع يقينهم أن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التضييق لذلك نجدها الآن الإنقاذ تمشي اتنين وترجع تلاتة في اتجاه الحريات
صديقنا الكاتب الحصيف محمد عثمان ابراهيم كتب في الرأي العام الاسبوع المنصرم مذكرا الإنقاذ أنها كانت ذات يوم خائفة من السماوات المفتوحة فكافحتها بشتى السبل ولكنها لم تفلح في منعها وفي نفس الوقت لم تسقط التلفزيونات الإنقاذ وذكرها أيضا بأنها أرهقت نفسها في محاربة الانترنيت وما تحمله الأسافير لها من نقد ولكنها لم تفلح بطبيعة الحال ولكن في نفس الوقت لم تفلح الانترنيت في إسقاطها وبالتالي عليها ألا ترهق نفسها في محاربة حرية التعبير وحرية التنظيم أي حرية العمل الحزبي لأن هذا لن يسقطها إنما سوف تسقطها عوامل أخرى وإذا شئنا الدقة نقول عمايل أخرى .
إن تنظيم الحريات أمر لابد منه ولكن التنظيم لا يعني المصادرة كما هو حادث في القانون أعلاه ولكن بعيدا عن القانون يمكن للطرفين الطرف الحاكم والطرف المعارض أن يتفقا على ميثاق عمل حزبي يعطي الحرية المطلوبة وفي نفس الوقت لا يعطل مشاريع الحوار الأخرى. لابد من شيء من التنازلات من الطرفين وفي هذه المرحلة بالتحديد لابد من شيء من تحمل تجاوزات الآخر حتى تعبر البلد لضفة الحرية والديمقراطية فهي الشرط لأي إصلاح ولأي تقدم.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]