مصطفى أبو العزائم

حيرة!


[JUSTIFY]
حيرة!

سألني صديق عن تفسيري لبعض المواقف المتناقضة لدى عدد من الساسة وقادة الأحزاب، خاصة في قضية الحوار الوطني، وطلب إليّ ذلك الصديق أن أكشف له عما سوف أكتب.

ابتسمت في وجه صديقي، الذي قرر بالفعل وحدّد لي موضوعاً للكتابة عنه، وقلت له إنني لن أكتب عن المواقف المتناقضة التي أشار إليها، ولن أكتب عن قضية الحوار الوطني التي أضحت شغل الناس الشاغل، وإنني في حالة مزاج سييء، قد تدفعني إلى «الاحتجاب» ليوم غدٍ ـ اليوم ـ، فالكتابة بالنسبة لي ولكثيرين هي «مزاج» أي صفاء ذهن ورغبة وقدرة على فك وتركيب الجمل والمفردات لصالح الموضوع.

وقديماً قال أحد فلاسفة الإغريق: «إن الصحة هي اعتدال المزاج» وهو قول قابل للتفسير بأكثر من زاوية، فالإنسان صحيح البدن والعقل والنفس والروح، قطعاً سيكون مزاجه رائقاً، بينما المريض والشاكي حتى من «صداع عابر» سيكون سييء المزاج وربما لا يتخذ قراراً صحيحاً في أمر يتطلب اعتدال المزاج.

ويمكن تفسير مقولة: «إن الصحة هي اعتدال المزاج» بأن تمام العافية البدنية والنفسية والعقلية والروحية يكتمل بالمزاج الصحيح للمكونات الغذائية، أو يمكن أن يكون تمام الصحة باعتدال كل مكونات النفس والروح والعقل والبدن.

نظر إليّ صديقي نظرة رجل خاب أمله في أن يستكتبني في ما يهوى، وقال لي مستنكراً: «يعني ما حتكتب !» فأجبت بـ «نعم» ثم زدت على ذلك بأن الكتابة تنبع من رغبة ذاتية، ولا يمكن لكاتب صحفي حر ومستقل ـ مثلما يدعي أكثرنا ـ أن يكتب بناء على «ما يطلبه الآخرون» وهو في نهاية الأمر سيكتب ما يرى أنه حق، وقد يعبّر عن فئة أو جماعة، وقد لا يعبّر عن آخرين، فـ «الدنيا كده».

«على كيفك» هكذا رماها صديقي العاتب في وجهي ومضى إلى حال سبيله غضبان أسفاً، وابتسمت ثانية، ولكن لنفسي في هذه المرة، لأن صديقي ومن ينتظرون مني أن أكتب قد لا يقبلون عذراً يرتبط بـ «المزاج» والذي هو دافع الرغبة، لكن كل ما في الذهن من موضوعات وأفكار سيتبدد ويخرج من شباك العقل إذا ما دخلت الحيرة، وهي تشتت الأفكار، وعدم التركيز مثلما يحدث للعشاق في بدايات حياتهم العاطفية، حيث ينشط شعراء الإحساس النامي في التغني للمحبوب والحيرة معاً، والنماذج عديدة «حيرت قلبي معاك» و«احتار أنا احتار أنا» وغيرها من أغنيات عن الحيرة، والتردد والارتباك على طريقة «قلب يريد وعقل لا يريد».

حيرة الذين قدر الله لهم أن يعملوا في دوائر الكتابة والصحافة، تعطل أداءهم، وتعوق عطاءهم، خاصة إذا ما تشتت الجهد في نواحٍ كثيرة، لأن ذلك سيقود حتماً إلى تشتت العقل، ويجعل الكاتب يعلق لافتة على عقله لا يراها إلا هو، مكتوب عليها «مغلق للصيانة».
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]