جعفر عباس

أيام زمان وهْم بالمجان


[JUSTIFY]
أيام زمان وهْم بالمجان

كل شيء جميل عندنا «كان زمان»، ويبدو أنني – ضمن قلة من أبناء جيلي – لم أنجح في رؤية جمال أيام زمان، بل إنني أدعو قائلا: الله لا أعادها علينا… ما الجميل في البؤس والفقر والجهل والمرض؟ حتى في الغناء يقولون لنا إن غناء أهل «زمان» كان أفضل… والسينما العربية في «أزمة» وعليها أن تستعيد أمجادها الغابرة وأرجع بالذاكرة إلى سنوات بعيدة كنت فيها مهووسًا بالسينما، وأبحث عن فيلم عربيّ قديم علق بذاكرتي فلا أجد فيها شيئًا… ولكنني أجد ممثلين وممثلات قابعين في الذاكرة، وأذكر مشاهد متفرقة من تلك الأفلام سببت لي وساوس وهلوسة في سن المراهقة ومطلع الشباب… كان متوسط عدد الـ«بوسات» في الفيلم الواحد نحو سبعٍ وثلاثين، وكل مشاهد الحفلات كانت تشهد الرقص الثنائيَّ الهادئ، الذي هو تعبير رأسي عن رغبات أفقية، وكان لا بد من نحو خمس رقصات في الفيلم، بدرجة أنني كنت أحسب مصر (وكانت المنتج الوحيد للأفلام في زمان صبانا) دولة أوروبية، ثم زرتها ووجدت جميع أهلها (بنات وأولاد بلد)، ولا تنس الـ«مايوهات» والـ«ميني جيب»، والصدور النافرة و…(خلوها مستورة رغم أنهن لم يكن يعرفن الستر) وهكذا نشأ صاحبكم يحلم بنساء على شاكلة سعاد حسني وميرفت أمين ونجلاء فتحي وهند رستم ونادية لطفي (يعني أحسن حالا وذوقًا من الجيل الذي هام بزينات صدقي وماري منيب وميمي شكيب)… ومن قال لك إن السينما والتلفزيون لا تؤثر على العقول والتربية والسلوك فهو قليل العقل والتربية وسيِّئ السلوك… السينما العربية المعاصرة – عدا استثناءات قليلة – أقل «قلة أدب» من السينما القديمة، (ومع هذا فحد الله بيني وبينها)… أقصد أن أقول: إن حال السينما العربية «انصلح»، ولكن التلفزيون صار حاله «مائلا» وكل ما هو مائل «ساقط» حتمًا أو في طريقه إلى «السقوط».
هل قرأتم حكاية المواطن الأردنيِّ جمال التي أوردتها وكالة بترا للأنباء الأردنية؟ تعلق قلب جمال بشابَّةٍ جزائريَّة جميلة اسمها سلمى، فقرر أن يثبت حبه لها ببذل كل ما هو غالٍ… تعمل إيه يا جمال وأوضاعك الماديَّة في منتهى البؤس؟ قرر جمال السطو على نقود تخص والده، ولحسن حظه وجد راتب والده عن شهر فبراير المنصرم كاملا في جيبه فاستولى عليه… استولى على 420 دينارًا، ووزعها على شباب الحيِّ! غريبة؟ ما غريب إلا الشيطان الذي وسوس لجمال وأوعز له أن الطريق إلى قلب سلمى يمر عبر قلوب شباب الحيِّ! ولمزيد من الإيضاح لابد من أن تعرفوا أن جمال الذي كان يبلغ من العمر سبع سنوات، يعني في الصف الثاني الابتدائيِّ… يعني حبه لسلمى «عذريٌّ»، وهو من نوع الحب الذي يقع فيه الشخص «المعذور» الذي لا عتب عليه لعلة جسمانيَّة أو عقليَّة فيه، وحبيبته سلمى شابة جزائريَّة كانت تخوض منافسات ستار أكاديمي بإمكانات فيزيولوجيَّة هائلة (طبعًا لم أرها ولكن جميع من يشتركن في مثل تلك المنافسات بالضرورة من ذوات الثدي… وهذا مصطلح علميٌّ صِرف توصف به كل الكائنات التي لا تبيض، أو تلد وترضع صغارها ولكنه عندي يعني كل من تعمد إلى هزهزة أو كشف الثديِّ للفت الأنظار وإثبات الوجود تعويضًا لنقص في الموهبة أو العقل)… أحَبَّ جمال سلمى وأراد لها الفوز وهذا لا يحدث إلا بنيلها أصوات المشاهدين، وهكذا سرق جمال راتب والده واشترى به بطاقات شحن للهواتف الجوالة ووزعه على شباب الحيِّ ليمنحوا أصواتهم لسلمى… جمال هذا متشبع بالثقافة العربية السياسية التي تقول إنه لا بأس في شراء الأصوات «تعزيزًا للمسيرة الديمقراطيَّة».
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]