جمال علي حسن

عاطف خيري.. المبدعون عطر الحريات


[JUSTIFY]
عاطف خيري.. المبدعون عطر الحريات

نحن ـ وكمثقفين سودانيين عاديين ـ نزعم أننا نحب أدب المبدع عاطف خيري أكثر من حب من يعتبرونه منتمياً لأيدلوجيتهم وأكثر من حب من يفترضونه كمحطة وقود يعبئون منها خزانات خطاباتهم وخطبهم السياسية.. ونحب الراحل حميد ونحفظ جل أشعاره أكثر من حب أولئك الذين لم يعذروه حتى حين ظهر في التلفزيون المسمى عندهم تلفزيون (النظام).. ونحب كل أناشيد الحرية التي تغنى بها الراحل وردي، نحبها ونحبه أكثر من حب أولئك الذين كانوا قد استنكروا عليه قبوله وسام الجدارة وتعليقه على منح البشير له هذا الوسام بعبارته الشهيرة (إنه عطاء من يملك لمن يستحق) لأنهم كانوا يريدون منه أن يقول (هذا عطاء من لا يملك لمن يستحق)..

ونحب أبوعركي البخيت ثائراً حتى ولو قاطع هو الصحافة والصحفيين، ونحب هاشم صديق.. نحب شعرهم جدا وخاصة أشعار الرفض والتمرد.

أكاد أحفظ الكثير جداً من تلك النصوص الشعرية النضالية منذ وقت مبكر في حياتنا لأنها مدارس إبداعية متفردة وكنوز أدبية خالصة وأصيلة.

فمن يتغنى بالحرية يغني لنا وللصغار القادمين ويؤسس لمفاهيم وعي أساسية مفقود من يفتقدها، ومن يرفض الديكتاتورية نشكره على إسهامه في تصحيح مشاعر الوطن..

لكننا وبرغم كل هذا ليس بالضرورة أن نتفق مع التوجهات الفكرية الخاصة بالشاعر أو الفنان، يكفي أن نحترمها ونتفاعل معها حتى لا نحرم أنفسنا من إبداعه بسبب اختلاف في المعتقد السياسي..

لذلك كنت أسعد الناس بمطالعة خبر مهرجان مشافهة النص الذي سيصدح فيه فارس الشعر النظيف عاطف خيري غداً في الخرطوم.. عاطف الذي كتب للوطن وللحياة وللإنسانية وللحبيبة أجمل القوافي..

عكس احتشادك فى الحضور

هل غاب معاك وعي الطريق

.. أم بيكي زكـّاني الزمن؟

ماشيك.. وعارفك يا حريق..

في يوم غماماتك.. بجن

فرهد غيابك.. أغنيات

ظلت أراضي اللقيا بور

بلقاكي يا كل الطيور..

مسجونة والحرية.. سور

ولو تجاوزتم تعنتات الخطاب السياسي المعارض، ونظرتم بعمق وحياد لمسارات المناخ الجديد وشواهده الحاضرة، فقد تجدون أحلام عاطف خيري ذاتها هي التي تتحقق (وغماماتو جن) ولو بنسب متدرجة تمضي للاكتمال.

ولو تجاوزتم عقدة.. قالوا وقلنا.. فعلوا وفعلنا.. ظلموا وصبرنا.. فقد تبصرون مشهدا جديداً في الساحة، تنطلق فيه المهرجانات وتحلق فيه طيور الحرية.. إنه مشهد جديد والله، لا تنكروا ولا تكابروا ولا تلوثوا قلب هذا الشاعر وغيره بأنه يجب أن لا يبتسم للحضور ولا يحضر معه إبريقاً من الماء الصافي ليسقي وردة الحرية حتى تكبر.

لا تحدثوه بحديث الوهم بأن الحال كما كان وأن مكابرتكم هي الصواب، لا تخدعوه فكائن الشعر لا ينخدع، لا ترهبوه بالوسوسة في أذنه بضرورة البقاء على موقف المغابنة والعبوس وارتداء كمامات الأنف ليمنع رئته من استنشاق مناخ الحرية الجميل.

المناخ مكتمل ولو بعد حين، بل شاهدت على اليوتيوب عدة فيديوهات لشباب من حركة (قرفنا) يقتحمون بخطابات التعبير عن سخطهم جموع المواطنين في مواقف المواصلات ثم لا يستنشقون مسيل دموع، برغم أن ما يقومون به هو نشاط غير منظم وغير ملتزم بلوائح وضوابط النشاط السياسي، أي يمكن أن تستخدم الدولة معهم حقها في منعهم إلى حين حصولهم على إذن بالنشاط في مكان وزمان محدد وليس هكذا بلا موعد وبلا نظام..

لكن الشرطة لا تفسد عليهم رغبتهم ولا تصادر منهم إحساس ممارسة هذه الحالة حسب ما شاهدت..

تحية لعاطف والصادق الرضي وكل مبدعي مشافهة النص الشعري وكل هذا الحراك الصحي المعافى.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي