جمال علي حسن

راجعوا مكاتب بقية الولاة.. ستجدون العجب


[JUSTIFY]
راجعوا مكاتب بقية الولاة.. ستجدون العجب

(غلوطية) (المدان البريء.. في ملف الفساد الجريء).. فساد بعض موظفي مكتب والي الخرطوم، احتلت هذه القضية المرتبة الأولى في ونسات مجالس الخرطوم منذ الإعلان عن إخلاء سبيل المختلسين أول أمس.

وخبر إخلاء سبيل المتهمين أو المدانين، ذكرني واقعة حدثت لي شخصياً قبل سنوات حين كنت أحمل طفلتي وأقف أمام بائع خضروات بسوق مدينة بحري فإذا بصبي صغير أشاهده (عينك عينك) منهمكاً بجدية في عملية شرط جيب جلبابي بهدوء لكي يسقط هاتفي الجوال من الجيب..

والله لا أنسى كيف كان هذا الصبي مطمئناً أثناء قيامه بهذا العمل وكأنني أنا الذي كلفته بشرط جيبي.. والحق أنه (نشال) صغير جداً غالباً ما يكون تحت التدريب.. لحقت به وأمسكته بالفعل ولكن في لحظة إمساكي به شعرت برغبة في صفعه صفعة (بروتوكولية) خفيفة في وجهه ثم تحريره وإخلاء سبيله بلا بلاغ ولا هم يحزنون.. وفعلا أخليت سبيله فوراً.. لأنني كنت متأكدا أن هذا اللص الصغير غالباً ما يكون متشرداً نشأ وتربى في الشارع وليس الذنب ذنبه، إذ أنه لم يجد من يعلمه ويربيه، كما أن السجن ـ ومع احترامي الكامل للمسؤولين في السجون والإصلاح والمختصين في علاج جنوح أمثال هؤلاء الأطفال، لكن سجون بلادنا لا تزال تحتاج لوقت طويل كي تصبح مؤسسات إصلاحية مهيأة لتقديم الدور التربوي والإصلاحي كما في سجون العالم المتقدم.. وكم من لصوص صغار دخلوا السجون ليتخرجوا منه بـ(بكلاريوس) إجرام مع دبلوم الزمالة..!!

لم أحك هذه (الحكوة) من باب المقارنة الكاملة بين الحادثتين أو من باب تأييد إخلاء سبيل مختلسي أموال ولاية الخرطوم، لا، أبداً.. ولست مقتنعا بما ذكرته لجنة التحقيق في قرارها من مبررات تتعلق بصعوبة إثبات إدانة جنائية على الجناة.. هذا كلام غريب لأن هناك ألف طريقة وطريقة لفرض هيبة القانون بالصورة المثلى..

ولكننا نرجع ونقول إن الخلل في (السيستم) أكبر من حجم هذه الحوادث؛ فموظفو مكتب والي الخرطوم أو أي والٍ آخر يتعاملون بدرجة من درجات السلطة العرفية الواسعة النطاق، وأن الولاة أنفسهم ولا أعني والي الخرطوم وحده بل إن أغلب الولاة يفوضون الكثير من سلطاتهم وصلاحياتهم لطاقمهم القريب إدارياً ومالياً، وبمرور الوقت يحدث خلط كبير وتداخلات كثيرة في الصلاحيات..

ما حدث في مكتب والي ولاية الخرطوم من فساد وخلل يتوقع أن يكون مثله موجودا ًوبحجم مضاعف في الكثير من ولايات السودان الأخرى، وخاصة تلك الولايات التي توجد بها ظروف أمنية استثنائية والتي يكاد مالها يوصف فعلا بأنه مال سائب..

(إنتوا ما شفتوا) بعض الولاة وطواقمهم وكيف يتعاملون مع أموال ولاياتهم..؟.. اسألوا الصحفيين يخبروكم فهم أدرى بهذه الثقافة..

عام ٢٠٠٥ كتبت مقالا بصحيفة (ألوان) عن أحد ولاة دارفور كان قد جاء إلى الخرطوم يحمل حقيبة مليئة بالمظاريف (فل).. يتجول بها على الصحف ومكاتب الصحفيين وكتاب الأعمدة ويوزع عليهم تلك المظاريف بنفسه وبلا قائمة محددة أو مسبقة لصحفيين بعينهم كي نقول إنها محددة ومصدقة لمن قدموا خدمة، فلا يوجد حتى توقيع من المستلم على مستند يثبت وجهة وغرض دفع هذه المبالغ، لو افترضنا أنها حافز وشكر وتقدير مثلا على جهود أو مشاق تكبدها الصحفي وقدم خدمة للولاية، هذا لو يصح الوصف أصلا.. لكنها كانت مظاريف استقطاب و(تشتيت السكر) وإطفاء نيران بعض الأقلام التي يُظنْ أنها خطيرة..

تخيلوا عام ٢٠٠٥ كم كانت التسعيرة لغير ذوي القربى (٣) ملايين هذه للمؤلفة قلوبهم، أما ذوو القربى فيستلمون أضعافاً مضاعفة..

الخلل كبير حين يظن الولاة أنهم ملوك لممالك صغيرة اسمها ولايات السودان.. والخلل كبير حين تكون المحاسبة ليست هي الأصل في العمل بل الاستثناء، والخلل كبير حين يكتشف الوالي مثل هذا الفساد بالصدفة..!!!

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي