جماعة شيخنا قال وسيادتو وجه
هذه جماعة خطيرة جداً، شعارها العملي (من جاه الملوك نلوك)، تعيش في كنف السلطان وتتمتع بقربه وقراه (قراه من القرى وهو الكرم)، بل وأحياناً حين تجد الجو مهيأً وملائماً وخالياً من الرقيب والحسيب، لا تكتفي بما تناله من القرب والقِرى وإنما (تبيض وتصفر) على رأي الشاعر طُرفة بن العبد الذي قيل أنه أنشد هذا الشعر حينما كان مع عمه في سفر وهو صبي، فنزلوا على ماء، فذهب طرفة بفخ له فنصبه للقنابر (نوع من الطير)، وبقي كل يومه فلم يصد شيئاً، ثم حمل فخه ورجع إلى عمه، وفي الأثناء رأى القنابر يتجمعن وينهمكن في لقط ما نُثر لهن من الحب فقال: يا لك من قنبرة بمعمر.. خلا لك الجو فبيضي واصفري وانقري ما شئت أن تنقري.. قد رحل الصياد عنك فابشري ورفع الفخ فماذا تحذري.. لا بد من صيدك يوما فاصبري.. ورجال حول المسؤول هؤلاء مثل قنابر طرفة بل أكثر براعة في الالتقاط، لجهة أنهم حين يجدون مثل هذا الجو الخالي المحفز والمشجع على (الخم والهبر)، لن يشبعهم الفتات الذي يجدونه منثوراً في طريقهم بل يصبحون هم السلطان نفسه بالوكالة، يوجهون باسمه ويختمون بخاتمه وينوبون عنه بكامل شخصيته الاعتبارية والسلطوية، وكثيراً ما تسمع عنهم عبارات من شاكلة (شيخنا قال) أو تقرأ لهم مكاتيب رسمية تبدأ بمدخل (وجه السيد فلان بن علان السلطان بكذا وكيت)، والحقيقة أن وظائف رجال حول الزعيم رغم ثانويتها وتواضع درجاتها الوظيفية إلا أنها من الخطورة بمكان من حيث طبيعتها المغرية بالفساد كحال عدد من الوظائف الأخرى إن لم يتم تحصينها أولاً بحسن الاختيار وثانياً بسياج من الكوابح والضوابط الرقابية أصبحوا فاسدين في أنفسهم ومفسدين لآخرين. ولكن كون أن الفساد قد وقع من رجال حول الزعيم وليس الزعيم نفسه، فإن ذلك لن يبرئه من الغفلة والتهاون بل لن يبرئ النظام بكامله، ولسبب بسيط، صحيح أن الفساد موجود في دول أنظمتها ديكتاتورية كما هو موجود في دول أنظمتها ديمقراطية، إلا أن الأنظمة غير الديمقراطية (الديكتاتورية الشمولية) تعد حاضنة صالحة وبيئة مفرخة للفساد أكثر من الأنظمة الديمقراطية، لأن الأنظمة الديمقراطية تكون في ظلها السلطات متوازية ومستقلة، وتوفر انتخابات حرة ونزيهة وتداول سلمي للسلطة وحرية تعبير وصحافة حرة وقضاء مستقل محايد عادل وكفوء، لذا تكون ممارسة الفساد عملية صعبة أو خطرة ذات نتائج غير مضمونة، علاوة على أن اختزال مفهوم النزاهة والصلاح والاستقامة لدى الانظمة الدكتاتورية والقمعية في الولاء للنظام أو الحزب بدلاً من القيم المبدئية وقيم المجتمع وعدم كفاءة ونزاهة القيادات الإدارية وكبار المسؤولين، لأن اختيارهم يتم على أساس التزكية أو الولاء للحزب أو على أساس القرابة والصداقة والمحسوبية دون مراعاة لمبدأ التقييم العلمي المبني على الكفاءة والخبرة والنزاهة.
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي