الإنتخابات في السودان.هواجس التأمين.!!!
الفيلم الذي عرض في شاشة كبيرة باحدي قاعات البرلمان، كان فيلماً وثائقياً غربياً يسرد قصة العنف في الإنتخابات الكينية الأخيرة، ويبحث عن جذورها المفترضة في الأحياء الفقيرة، ويعرض مظاهر من الدمار الذي خلفته المواجهات الدموية، والرسالة التي بعثها الفيلم للمشاركين في ورشة تأمين الإنتخابات التي نظمتها لجنة الدفاع والأمن الوطني في البرلمان أمس واضحة، هذه هي عاقبة إقامة انتخابات بدون تأمين كاف، وهذا هو ما يجب علينا في السودان أن نفكر فيه ثم نتجنبه ونحن نتجه صوب الإنتخابات المقررة في أبريل المقبل.
الحديث عن تأمين الإنتخابات يعني بصورة أو أخرى الحديث عن جهاز الأمن، وأفضل من يقدم وجهة نظر جهاز الأمن هو مديره الجديد الفريق محمد عطا، الذي كان صاحب احدي المداخلات، لكن التركيز عليها فاق الأوراق نفسها، فعطا تحدث أولاً عن أهمية الإنتخابات، وكونها تأتي في إطار مشروع كبير للإصلاح السياسي تبنته وبادرت به الحكومة وقبلته الأحزاب، كما أن تجربة التحول الديمقراطي الحالية تختلف عن سابقاتها في أنها جاءت بدون تكاليف باهظة وبخطى ثابتة ومتدرجة، تختلف عن التجارب السابقة، وبدا عطا مهموماً بنجاح التجربة الديمقراطية التي حدد إختلافاها عن سابقاتها، ودعا إلى إنجاحها، إذ أن عملية التحول الديمقراطي الحالية في حال إنهيارها، فإن موعد إستئنافها ثانية لن يكون معروفاً، في إشارة ملطفة نوعاً ما إلى المصير المجهول الذي يمكن أن يترتب على عدم قيام الإنتخابات، أو إفشالها بواسطة البعض.
إفشال المفاوضات أو تعكير صفوها كان المحور الأساسي لحديث الفريق عطا، فبعد أن فرغ من نقطة التحول الديمقراطي واتفاق الحكومة والمعارضة عليه، دخل إلى احتمالات إفشال الإنتخابات، وأعتبر أن الفوز بالإنتخابات يجب أن يبقى هدفاً ثانوياً في مقابل هدف آخر أساسي وجوهري، هو نجاح التجربة الديمقراطية وتجنيبها المخاطر، مخاطر قسّمتها الخطة الأمنية للجهاز إلى ثلاثة مراحل، الأولى مرحلة الترشيح، وهي المرحلة الحالية وتمتد حتى فترة ما قبل الإنتخابات مباشرة، وتتمثل مخاطرها في البيئة الأمنية المعقدة في دارفور والصراعات القبلية في الجنوب، تلطيف مخاطر هذه المرحلة ومعالجتها يساعد على معالجة مهددات المرحلتين التاليتين وفقاً لعطا، فالمرحلة الثانية هي الإجراءات، وتحدياتها بالنسبة للجهاز تتمثل في (خشونة) الكلمة، حيث ستتصاعد وتيرة الخطابات السياسية الحزبية وتشتد خلال الإنتخابات، وطالب عطا الأحزاب بممارسة حريتها دون الإعتداء على الآخرين، ووضع خطوطاً تحت الممارسات الحالية بقوله إن ما يجرى من ممارسات سياسية الآن يجعلهم يشفقون على التجربة الديمقراطية.
المرحلة الثانية في خطة الجهاز تحتوى على مهددات غير ممارسات الأحزاب، هي الأساليب الفاسدة والعنف الذي يمتد ليشكل المهدد الكبير الذي قد يبرز في مرحلة النتائج، ويرى عطا أن على الخطة أن تفكر مسبقاً في المهددات المحتملة وفي كيفية علاجها، إلى جانب كيفية ترسيخ ثقافة إحترام النتائج وعدم التنازع حولها في أذهان الجمهور، وعدد مدير الجهاز بعض أدوات التعامل مع هذه المهددات، أدوات سياسية وإعلامية ودبلوماسية، إلى جانب الإستماع لشكاوى الجميع بجدية والإستعانة بالرموز السياسية والإجتماعية لمعالجتها، فضلاً عن الحرص على تنفيذ القوانين بجدية وعدم المجاملة في تطبيقها، ووجود نظام معلوماتي دقيق وفاعل عن الأحداث المخلة بالأمن، وتحليل هذه المعلومات لإحتواء هذه المهددات قبل حدوثها.
وزير الداخلية المهندس إبراهيم محمود كشف عن تجهيز سبعة وعشرين ألف شرطي لتأمين الإنتخابات كما قال إنهم يستعدون للعملية منذ فترة طويلة، أما الفريق العادل العاجب نائب مدير عام قوات الشرطة كشف عن أن استعدادات الشرطة للعملية الإنتخابية تعود إلى العام الماضي، ومن أبرز ما تحدث عنه العاجب تدريب أفراد الشرطة الذين سيتولون تأمين العملية الإنتخابية بالتركيز على نقطتين أساسيتين هما احترام القانون، واحترام حقوق المواطنين المنصوص عليها في الدستور، ولفت العاجب إلى مفهوم آخر للتأمين غير الأمن المادي هو حماية عقول المواطنين من التشويش، كما أنه مس قضية تمويل عملية تأمين الإنتخابات وطالب الجهاز التشريعي بالمبادرة إلى إجازة الميزانيات الأمنية دون إنتظار دعم المانحين الذي ربما يتأخر، أو لا يأتي أبداً.
سؤال أثارته بدرية سليمان رئيس لجنة التشريع والعدل في البرلمان وأجابت عليه هي نفسها، من هي الجهة التي خولها القانون تحريك الإجراءات القانونية ضد الممارسات الفاسدة في الإنتخابات، ووفقاً لبدرية فإن هذه مهمة المفوضية القومية للإنتخابات، أن تقوم بتحريك الإجراءات ومتابعتها مع الأجهزة الأمنية القومية المختصة.
بخلاف ذلك، تحدث كثيرون بوجهات نظر مختلفة، فالبعض تساءل عن قدرة الشرطة مثلاً على تأمين جميع أمكنة الإقتراع، فيما ذهب آخرون إلى أن تأمين الإنتخابات في الجنوب أمر صعب، لكن أبرز المداخلات الأخرى كانت من قبل علي السيد القيادي الاتحادي الذي وضع خطوطاً تحت الحديث عن تأمين الإنتخابات، على اعتبار أن السودان شهد العديد من الإنتخابات، ولم يحدث فيها شيء مما يبدي البعض خشيتهم من حدوثه، وقلب الصورة عندما تحدث عن أن المشكلة لا تكمن في تأمين الإنتخابات بقدر ما تكمن في تهيئة الأجواء لها، وتعديل القوانين المقيدة للحريات، باعتبارها المهدد الحقيقي الذي ينذر بإفشال عملية الإنتخابات.
مجاهد بشير :الراي العام