معا من أجل إنقاذ عملتنا الوطنية!
ما يحدث في الاقتصاد السوداني مزعج ومخيف للغاية… فقد دخلنا مجددا في حالة “جنون أسعار الصرف” وقد سجلنا نقاطا عديدة في تشريح ونقد هذه السياسات ذات الصلة ولكن يجب ألا ننسى شق المسئولية الاجتماعية تجاه هذه الأزمة.
بعض الآراء بضرورة وجود فتاوي لتحريم وتجريم تجارة العملة التي يتم تداولها حاليا تعكس شق المسئولية الاجتماعية تجاه الأزمة الاقتصادية ولكنني أعتقد أن هذا النقاش ينبغي أن تسبقه دراسة واضحة ومقنعة عن أضرار تجارة العملة.
الحديث عن تحويل وبيع وشراء العملات وفق مفاهيم الاقتصاد الحر الحديث يجب ألا يشكل مبررا للمضاربات وتحويل العملة الاجنبية إلى سلعة قابلة للاحتكار والتحكم في سعرها من قبل شريحة محدودة من المنتفعين في الوقت الذي يتضرر كل الشعب السوداني.
نعم صحيح… في الاقتصاد الحر الحديث هنالك مطلب واضح يتعلق بتحرير سعر الصرف وبعضهم لا يستسيغ مفردة “السعر الموازي” ويسميه “السعر الحقيقي” ولكن لا يوجد في الاقتصاد الحر ما يبيح تحويل العملات الأجنبية إلى سلعة للمضاربة.
في هذا السياق ينبغي على الحكومة فتح النوافذ البديلة فالمغترب السوداني (على سبيل المثال) لو استفاد من القرار الذي أعلنه الرئيس البشير بفتح حسابات خاصة للمغتربين يجوز لهم التصرف فيها بسحب أموالهم متى ما يريدون ذلك دون الخضوع للسقوفات التي يفرضها بنك السودان على الحسابات الجارية العادية والتجارية… لو استفاد المغترب من هذا الأمر لما لجأ إلى تجار العملة الذين يحتفظون بالأموال خارج السودان ويشكلون قناة من قنوات تهريب العملات الصعبة… لاحظ أن هذا التهريب يتم قبل دخول العملة للسودان.
هذه البدائل والحلول قد تتعثر في أيامها الأولى وقد يتم استغلالها من قبل المضاربين وذلك باستخدام أرصدة المغتربين أو إيجارها بالباطن ولكن يجب أن تشرع الحكومة في التجربة ثم تعيد النظر فيها وليس أن تؤجلها بسبب مخاوف غير معلومة.
كم هي نسبة المغتربين الذين يمكن أن يدخلوا هذه المغامرة (التلاعب أو إيجار الحسابات بالباطن)؟! نسبة قليلة وضئيلة جدا! معظم هؤلاء المغتربين لديهم تحويشات محدودة جدا ولديهم بنود صرف أكبر بكثير من مدخراتهم… وغالبا ما سيصرفون عملتهم الصعبة داخل السودان في أقرب إجازة أو “عيد ضحية” وإذا كان هنالك زواج للولد أو البنية سيتم تصفير الحساب تماما.. أما “البنيان” فحدث ولا حرج.
ما يجب أن تقوم به الدولة أيضا من مجهود هو التأثير على الرأي العام السوداني قبل استصدار فتاوي وهذا التاثير سهل للغاية لأن المواطن إذا اقتنع تماما بأن دعم تجار العملة سينتهي بالاقتصاد السوداني إلى كارثة… وإذا كشفت له الأرقام والبينات وإذا تم تجهيز بدائل له فإنه لن يدعم تجار المضاربات.
هل تذكرون تجربة إستلام العملات الأجنبية في المطار؟! هل تذكرون أثرها على استقرار سعر الصرف؟! لقد كانت تجربة فيها نقاط ضعف وخلل ولكن تم سدها لاحقا وبالذات في الجانب الذي يتعلق بالسفر المتكرر إلى مصر وإثيوبيا لأغراض تجارية.
بالرغم من مرارة الأخبار التي نسمعها يوميا إلا أن الفرصة مازالت متاحة لإنقاذ عملتنا الوطنية واقتصادنا الوطني. المطلوب… سياسات وحلول بديلة… ووعي اكبر بمخاطر المضاربات.
لحسن الحظ أن الحكومة شرعت في هذا الأمر… ضخ العملات الصعبة وفقا للتجارب السابقة والمستحدثة… ورفع الوعي الشعبي بمخاطر تجارة العملة و عصابات المضاربات وتهريب الأموال.
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني