الطاهر ساتي

لا يتأملون …!!


[JUSTIFY]
لا يتأملون …!!

:: التاريخ يرسم المشهد.. رجل أشعث أغبر يقف مع الناس ويترقب معهم الإعلان عن خليفة المسلمين ليبائعه على السمع والطمع، وإذ بالمعلن يعلن اسمه خليفة للمسلمين، حسب وصية الخليفة السابق.. فيرتعد الرجل ويرتجف ثم يجهش بالبكاء وينهار من هول الإختيار الذي لم يسعى إليه ولم يتمناه يوماً، فأوقفوه ليخاطب رعيته وعجز عن الخطابة وهو المشهود له بالبلاغة .. ثم يجمع أنفاسه، ويخاطب الرعية بحزن : (بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم)، هكذا رفض عمر بن عبد العزيز الخلافة .. ولكن أصوات الحشد المسلم تعلو : ( لا نريد إلا أنت)، فيبكي وكل من بالمسجد يتأوه ، ويصف رجاء بن حيوة المشهد قائلاً : ( نظرت إلى جدران المسجد، هل تبكي معنا؟).. ولهذا، كان – ولايزال – عدل عمر بن عبد العزيز يُدهش الناس والحياة ..!!

:: وهذا بكاء وإنهيار، ولكن من نوع آخر، يرسمه مراسل الإنتباهة بالشمالية .. صباح الأثنين الفائت، بكلية الشريعة والقانون بجامعة دنقلا، تعلن لجنة الإنتخابات عن نتائج إنتخابات اتحاد الطلاب بالكلية بفوز طلاب التحالف الوطني الذي يضم كل القوى السياسية ما عدا المؤتمر الوطني، ويتفاجأ طلاب الوطني بهذا الفوز ثم يجهشوا بالبكاء، ثم ينهاروا ويدخلوا في عوالم الهستيريا والإغماء، ويتم نقلهم إلى مستشفى رومي البكري .. أكثر من (55 طالب وطالبة)، حسب رصد وإحصاء الإنتباهة، ينتمون إلى الطلاب الإسلاميين، عندما خسرت قائمتهم مقاعد السلطة في إنتخابات اتحادهم، إنهاروا – لحد إسعافهم – بعد أن أجهشوا بالبكاء..!!

:: وبولاية الجزيرة، هذا النوع من البكاء أيضاً، بكاء العابد للسلطة وليس بكاء ابن عبد العزيز الرافض للسلطة..يصدر محمد يوسف الوالي المكلف بالجزيرة يوم الأثنين الفائت قراراً باعفاء وزراء حكومة الوالي السابق الزبير بشير، فيحزن وزير المالية السابق صديق الطيب، ثم يدخل في ( نوبة بكاء)، ويغادر موقع إجتماع المكتب القيادي حزيناً و دامعاً، هكذا الخبر ولم يُسهب بحيث يقول : ( إنهار أم لا؟).. لماذا يبكون، طلاباً بتلك الكلية كانوا أم وزيراً سابقاً بمالية ولاية الجزيرة؟.. لماذا؟.. ابن عبد العزيز بكى توجساً من ( أثقال الأمانة)، فما الذي يبكي هؤلاء وهم يبعدون من ( أثقالة الأمانة).؟.. أو ليست هي أمانة، أو كما يسمونها في خطبهم؟، فلماذا البكاء إذن و قد أراحهم القدر من حمل تلك الأمانة؟.. حتماً، في ثناية الإجابة تتجلى الفرق بين ( الصدق) و ( الزيف)..!!

:: المهم، أى فلندع البكاء والإنهيار من أثر فقدان السلطة، ونرجع لما حدث بكلية الشريعة بجامعة دنقلا..فالحدث، رغم صغر حجمه، جدير بالتأمل ..ماذا يعني – للاسلاميين – فقدانهم لثقة لطلاب كلية الشريعة؟..أكرر، فالكلية التي شهدت الحدث كلية شريعة – وليست فنون جميلة أو موسيقى ومسرح – ومع ذلك لم تفز قائمة طلاب الحركة الإسلامية، جناح المؤتمر الوطني، رغم الشريعة المرفوعة (شعارا)..ما هي الرسلة المرسلة عبر هذه النتيجة- من قبل طلاب الشريعة والقانون – لمن يحكمون بالشريعة، حسب أقوال الصحف والفضائيات؟..في الإجابة ما يستدعي ( البكاء والإنهيار)، ولكن أكثر القوم لا يتأملون..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]