جعفر عباس

الانتحار ليس هزار..

[JUSTIFY]
الانتحار ليس هزار..

يقبع صيني يبلغ من العمر 63 عاما في مخفر للشرطة، توطئة لتقديمه إلى المحاكمة بتهمة القتل، ولو كنت في الصين لما ترددت في تنظيم حملة للدفاع عنه، رغم اقتناعي التام بأنه ارتكب جريمة القتل. وربما تتفقون معي ولا ترون بأسا في الدفاع عن قاتل بعد أن تكملوا قراءة الحكاية، وما حدث هو أن المتهم الجاني وهو جندي متقاعد، ظل محتجزا في سيارته في مدخل أحد الجسور أكثر من ساعة؛ لأن حركة المرور كانت متوقفة تماما، وبعد أن كاد الوقود ينفد من سيارته نزل منها ليعرف سر تعطل حركة المرور، فقيل له إن شخصا ما يقف على حافة الجسر مهددا بالانتحار، فما كان من الجندي المتقاعد إلا أن توجه نحو الرجل الراغب في الانتحار وصافحه باليد ثم ناشده: يا ابن الناس آلاف السيارات تكدست على مدخلي الجسر فانزل واستأنف حياتك، ولكن صاحبنا قال له: لا، أنا أريد الانتحار، وحاول الجندي العجوز إقناع الرجل بأنه ما من مشكلة إلا ولها حل، وأن الحياة حلوة، بدرجة أن بشار الأسد يقتل كل يوم مائة من مواطنيه، ليتفادى هو الموت المعنوي.. بس مفيش فايدة.. يا ابن العم انا مستعد أدفع نفقات زواجك من نجوى فؤاد أو حتى صباح، ولكن الرجل أصر على موقفه بأنه يريد الموت، فما كان من الجندي إلا أن سأله: يعني كلامك نهائي وعايز تنتحر؟ جاءه الرد بـ«نعم»، فقال له الجندي المتقاعد: طيب.. باي.. ودفعه فسقط من حافة الجسر وهوى ومات!
سبق لي أن هوجمت من قبل السلطات في بلد خليجي لأن شابا صعد على قمة رافعة معلنا رغبته في الانتحار، وجاء رجال الدفاع المدني وحاوروه: استهد بالله يا ابن الناس.. أنت صغير فلا تيأس من رحمة الله.. قال الشاب إنه كره الحياة بعد أن عجز عن سداد دين، فوعدوه بسد الدين نيابة عنه بالكامل ولكنه كان «ناصح ومصحصح» فقال لمن كان يفاوضه: لا عيوني.. هات لي المبلغ كاش الحين وأنا أنزل وياك من الكرين. وخلال دقائق كانوا قد سلموه المبلغ المطلوب، بدلا من أن يضربوه بالطوب.. كان المبلغ يساوي نحو ألف دولار (بالتحديد 1012 دولارا).. شخص بهذا الغباء لا يستحق الحياة: أنت هددت بالانتحار من باب التهويش وجاءتك الفرصة لتساوم و«تتشهى» وبدلا من أن تطلب 100 ألف دولار أو كيلوغرامين من الذهب تضحي بـ «موتك» مقابل ألف دولار.
قبل سنوات صعد عاطل من العمل برج الاتصالات في مدينة العريش المصرية، معلنا رغبته في الانتحار.. ليه كده يا ابن الناس؟ حرام تموت نفسك! قال لهم: السلطات رفضت تدخل الكهرباء في بيتي! قالوا له: مش معقول اللي بتقوله ده.. ما سمعناش قبل كده إن شركة الكهرباء بترفض تزويد بيت أو مكتب بالكهرباء.. قال لهم: ما هو.. في الحقيقة.. بيتي عشوائي وبدون ترخيص. وكان مسؤول في الحكم المحلي بين من تجمهروا قرب البرج وقال له: أديك وعد شرف إنك تنزل من البرج تلاقي الجماعة بيوصلوا الكهرباء في بيتك.. هنا قال شبه المنتحر: بس أخدت قرض عشان ابني البيت وما عدتش قادر أسدد الأقساط.. لو كنت حاضرا هناك لصحت: اللي يصلي ع النبي يزُق.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]