روسيا وناتو والأمن الأوروبي
فاسيلي ماكسيموفتش
تسببت الأزمة الأوكرانية في إفساد العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، حتى أن روسيا استدعت الأسبوع الماضي سفيرها لدى الحلف، للتشاور بشأن مستقبل العلاقات الروسية الأطلسية.
وأكدت حوادث أوكرانيا أن الناتو لم يكن في يوم من الأيام بصدد إقامة علاقات شراكة مع روسيا على قدم المساواة، بل دائماً كانت استراتيجياته ضد مصالح روسيا وأمنها، واستمر في حشد قواته في دول شرق أوروبا عند الحدود الروسية. وقال الجنرال فيليب بريدلاف، القائد العام لقوات حلف شمال الأطلسي، للصحافيين إن الحلف يعمل على وضع خطة لتعزيز الدفاع عن حلفائه في شرق أوروبا..
وقال بيان صدر في ختام اجتماع وزراء خارجية دول الحلف في مدينة بروكسل مطلع أبريل المنصرم، إن أعضاء الحلف اتفقوا على تعزيز التزاماته بصد (أي تهديد). والمقصود هنا تعزيز دفاعات حلفاء الناتو في أوكرانيا ضد روسيا.
وكان ناتو صوّر عودة شبه جزيرة القرم إلى أحضان الدولة الروسية بمشيئة أهاليه، على أنها (احتلال روسي لأراضي أوكرانيا)، مؤكداً دعمه لمن وصلوا إلى الحكم في العاصمة الأوكرانية بالطريقة غير المشروعة. وقرر وزراء خارجية دول الناتو في اجتماعهم الأخير، تعليق التعاون المدني والعسكري مع روسيا حتى إشعار آخر ومواصلة الحوار السياسي. واعتبرت وزارة الخارجية الروسية، أن وزراء الناتو قرروا استئناف (الحرب الباردة) ضد روسيا.
وفي الحقيقة فإن علاقة روسيا مع الناتو كانت هشة، حتى أنها (انهارت كبيت من ورق) على حد تعبير أناتولي أنتونوف، نائب وزير الدفاع الروسي، بعد أن اهتزت الأوضاع في أوكرانيا، التي كان الحلف ولا يزال يطمح لاستخدامها كمنصة وثوب على روسيا.
وقال نائب وزير الدفاع الروسي (لن نبكي إذا قرر الناتو التخلي عن التعاون معنا في مواجهة أعمال القرصنة البحرية والجوية، مثلاً، إذ توجد في العالم دول كثيرة لديها الاستعداد للعمل على تعزيز الأمن الدولي بالتعاون مع روسيا، وهي الصين والهند وغيرهما من الدول الآسيوية ودول الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية ودول أميركا اللاتينية. وسوف نطوِّر التعاون مع هذه الدول في المجالات كافة).
حلف ناتو يتعامل مع الأزمة الأوكرانية على أنها قضية حياة أو موت للحلف نفسه، الذي بات محل نقد واتهامات كثيرة من أعضائه القدامى من الأوروبيين الكبار، الذين سبق أن أسماهم وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد، أثناء حكم بوش الابن، بـ(أوروبا العجوز)، وذلك بعد رفضهم للتدخل الأميركي في العراق عام 2003.
وهذه الدول الأوروبية الكبيرة، هي التي رفضت أيضاً الحرب في أفغانستان وأبقت قواتها هناك في الشمال، بينما ذهبت القوات الأميركية والبريطانية والكندية وحدها تحارب في جنوب أفغانستان. ووقف وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس، في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ عام 2007، يتهم هذه الدول الأوروبية صراحة بأنها بسياستها هذه تسعى لتحطيم حلف الناتو والقضاء عليه.
وقد سبق لروسيا أن عرضت على الأوروبيين على مدى السنوات العشر الماضية، أكثر من مشروع أمن روسي أوروبي مشترك. ورغم موافقة معظم الدول الكبرى، إلا أن واشنطن وحلف الناتو كانا يقفان عقبة أمام هذه المشاريع، ذلك أن واشنطن تشعر بأن روسيا تسعى لإزاحتها من أوروبا، وتسعى لإنهاء المنظومة الأمنية الأورو- أطلسية السائدة من بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن، والتي تقودها واشنطن من خلال حلف ناتو.
لدى واشنطن شكوك في نوايا الأوروبيين القدامى للقضاء على حلف الناتو، وتأسيس منظومة أمنية مشتركة مع روسيا الجارة الأوروبية الأقرب لهم من الولايات المتحدة، لكن واشنطن لا تستسلم لهذه الشكوك ولا لهذه السيناريوهات، وتسعى بجدية للعب بورقة الدول الأوروبية الجديدة (الشابة)، التي خرجت من عباءة المعسكر الشيوعي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مثل رومانيا وبلغاريا وبولندا وهنغاريا ودول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا). ويطمح الحلف لضم دولة كبيرة مثل أوكرانيا ومن بعدها جورجيا، وذلك حتى يظل يتحكم في منظومة الأمن الأوروبية.
ولكن يبدو أن الأزمة في أوكرانيا ستفشل مخططات الحلف هذه، ولهذا كان رد موسكو واضحاً الأسبوع الماضي على نشر الحلف لقواته في الدول الشرقية المجاورة للحدود الروسية، حيث صرح دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي، بأن (مجرد خطوة إضافية واحدة من جانب الناتو في اتجاه الحدود الروسية، ستقود إلى إعادة تشكيل هياكل الأمن الأوروبي برمتها).
وقال بيسكوف إن توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً سيمثل تهديداً جدياً بالنسبة إلى روسيا، لأن (الناتو لا يمكن أن يتخلى عن صفته كمنظمة عسكرية)، الأمر الذي سيجعل روسيا تجد نفسها مضطرة (لاتخاذ تدابير لازمة لضمان أمنها). هذا الحديث هو بمثابة تحذير للأوروبيين، من أن حلف الناتو بسياساته العدوانية تجاه روسيا، يسعى لإشعال الساحة الأوروبية بحروب ونزاعات، الأوروبيون في غنى تماماً عنها.
نقلاً عن البيان الأماراتية
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]