السفن الحربية الإيرانية.. “ضيف مزعج”
صرنا نتأذى ألف مرة.. من هذه الصداقة السودانية الإيرانية، إنها مكلفة جداً وباهظة الثمن.. فالتحية العابرة منهم ندفع ثمنها أميالاً من التباعد بيننا وبين الجيران.. والابتسامة نسددها وقتاً ثميناً يضيع من عمر بلادنا في عزلتها.. وضحكتهم في وجهنا بمثابة ديناميت في صروح علاقاتنا مع الأشقاء.. والزيارات المتبادلة معهم ترسخ أقدام المقاطعة والتقاطع مع الآخرين..
نعم لنا سيادتنا ومن حقنا أن نقيم علاقاتنا مع من نحب، ولكن بلا تناقض إذ أن المائدتين لا يمكن تناولهما معاً، الخليج وإيران.
الجمع بينهما الآن يوقعنا في محظورات الشرع السياسي الواقعي الموجود والقائم.. مثل الجمع بين الأختين.
ستقول إن إيران وقفت مع السودان في ظرف أمني دقيق حين تحفظ الآخرون وامتنعوا عن مد يد العون.. حسناً.. هل هناك ظرف مر باقتصاد السودان خلال السنوات الماضية أسوأ من الظرف الحالي.. إنه وبشهادة وزير المالية السوداني نفسه قبل يومين أمام البرلمان.. كان الوزير يشكو مر الشكوى، وقد نقلت الكثير من مواقع الأخبار حديث وزير المالية أمام البرلمان بمقدمة تقول (صورة قاتمة للوضع الاقتصادي رسمها وزير المالية أمام البرلمان).
وفي اللحظة التي يرسم فيها وزير المالية لوحته تلك كانت سفينتان حربيتان إيرانيتان قد أكملتا زيارتهما العابرة لميناء بورتسودان.. زيارة وثقتها الفضائيات العربية بلغة ارتياب وتشكك في أهدافها وطبيعتها.. خاصة وأنها تزامنت مع تصريحات عسكرية إيرانية بأن إيران تقوم الآن بالترتيب لبناء وتكوين حزب الله (2) أو حزب الله السوري..!
الأوضاع العربية مع إيران في غاية التعقيد وقمة الحساسية، لذلك فإن زيارة السفن الإيرانية تضرب جدار العلاقات السودانية مع بعض دول الخليج، تضرب هذا الجدار أثناء عملية ترميمه لإزالة الشقوق القديمة وفي وقت توجِّه وتجدد فيه القيادة السودانية في كل اللقاءات العربية الجامعة الدعوة للأشقاء العرب للمجيء إلى السودان والاستثمار فيه.. في إطار مبادرة الأمن الغذائي العربي..
لماذا هذا التناقض..؟ وماذا تقدم لنا إيران من مساعدات لتجاوز هذا الظرف الاقتصادي حتى نبدي كل هذا الحرص على عدم إحراجها بالاعتذار..
يجب إعادة تقييم خياراتنا الإستراتيجية بحساباتها الصحيحة التي لا تهمل كل الأبعاد وكل الاحتمالات وكل النتائج.. نعيد تقييمها لتنسجم مع منطلقاتنا الثقافية والسياسية ومصالح بلادنا بشكل عميق لا يهمل حتى حسابات (الكالكوليتر).. خاصة وأن حديث وزير المالية أمام البرلمان كان يتركز حول آثار المقاطعة الاقتصادية على الاقتصاد السوداني ويقول إن الاقتصاد السوداني شهد ضغوطا ومهددات أجنبية وطبيعية وسياسية خلقت فجوة في الموازنة، وعجزا في الميزان التجاري حوالي- 1.6 مليار دولار في ميزانية 2013..
وحين تحدث الوزير عن تباطؤ المساعدات الخارجية لم يتحدث عن دولار واحد قدمته إيران للسودان..
ونحن لا نريد أن نتسول الأشقاء العرب دعماً أو منحاً أو مساعدات بل نريد منهم أن يتفاعلوا مع عروض الاستثمار الزراعي والصناعي والحيواني.. ليفيدوا ويستفيدوا كما تقول لغة السوق لكننا نعلم جيداً أن المحاذير السياسية تتسبب في نوع ومستوى التعاون الاقتصادي أو الاستثماري بين الدول.. وتحدد وبشكل قاطع وجوده من الأساس.
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي