عبد الجليل سليمان

ديمقراطية القبيلة

[JUSTIFY]
ديمقراطية القبيلة

في حوار الزميل (عبد الرحمن العاجب) مع زعيم حركة تحرير السودان (مِنِّي أركو مناوي) الكثير من الطروحات التي ينبغي تأملها والوقوف عندها، فقد دعا الرجل على الأقل على مستوى التنظير- إلى توحيد حركات دارفور، وأقر أن حركته لم تفلح حتى الآن تنفيذ مشروعها، لأنه مشروع تحرري في(غابة) مثل السودان، بحسب تعبيره، وقال أنه إذا قدر وانفصلت دارفور عن السودان فلن تكون خاتمة المطاف، وستتبعها أقاليم أخرى، وقال ما قال، وكله يستحق التأمل والحوار.
لكن ما أنا بصدده هنا، أن (مناوي) اعتراف بين يدي (العاجب) على وجود البعد القبلي في مؤتمر حسكنيتة الذي أسفر عن انشقاق حركة تحرير السودان شقين، آل أحدهما إلى (عبد الواحد نور) وأمسك (مناوي) بالثاني، وهذا لعمري اعتراف شجاع، قلّ ما يقول به القادة والزعماء السياسيون والعسكريون.
لكن رويداً وقع صاحبنا في الفخ، عندما حاول الاستطراد في الإجابة، فقال: “أنا لا أرى عيباً إذا تمكنت قبيلة من خلق الديمقراطية، لأننا لسنا في سويسرا بل في أفريقيا”.
حسناً، هذه هي الجزئية القاصمة، فالرجل وقع وقعة نكراء، إذ بدا وكأنه غير مستوعب لمُصطلح ديمقراطية بمعنييه الإصطلاحي والسياسي، فاستخدم كلمة (خلق) بمعنى (تطبيق) ربما، ثم أطلق نظريته (العالمية الرابعة) على قرار القذافية الثالثة، بأن “لا يرى عيباً إذا تمكنت القبيلة في خلق الديمقراطية”، كيف ذلك بالله عليك؟ فهذا لا يتسنى إلا (لساحر عظيم)، أو (عبقري) ما جاد بمثله زمان، أن يجمع الديمقراطية والقبيلة في طبق واحد، ويقدمهما للشعب السوداني (الجائع) للحرية وقيم التسامح والسلام والعدل، فالقبيلة نوع من العصبية البدائية تجاوزتها المجتمعات المدنية فأنشأت (الأحزاب/ النقابات) وحتى (حركات التحرر)، كمواعين أكثر تنوعاً واتساعاً في التعبير عن آمالها وأحلامها وطوحاتها.
ثم إن القبلية نقيض الثورية، بل سيف مسلط على عنقها، وهذا ما حدث يا (مناوي) في حسكنيتة بحسب اعترافك شخصياً، فكان أن انشقت حركتكم شقين، وأصيبت بالضعف والوهن وربما (البوار) في كثير من الأحيان.
لذلك فـ “نحن للقومية النبيلة ما بندور عصبية القبيلة/ تربي فينا ضغائن وبيلة/ تزيد مصايب الوطن العزيز”، كان نشيداً مُتغلغلاً في وجدان الناس، قبل أن يأتي إلينا من يؤسس لنظريات تقول لنا ونحن على في زمن المعرفة (السلسبيلا)، أن القبيلة يمكن أن تأتي يالديمقراطية!

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي