والحزب الجمهوري
في منتصف سبعينات القرن الماضي ونحن في بداية حياتنا الجامعية كان أكثر ما لفت نظرنا ونحن على أعتاب مرحلة جديدة من حياتنا الحراك السياسي الذي كان يقوم به الجمهوريون في الجامعة وفي شوارع الخرطوم فقد كانوا شباباً وشابات يتحركون برزم منضبط يقدمون كتبهم وفكرهم بصورة مختلفة يعتمدون على الجدال الفكري البحت أبعد ما يكونون عن العنف بكافة أشكاله لفظياً أو مادياً ولهم قدرة هائلة على امتصاص حدة الآخرين التي قد تصل إلى التعدي المادي هذا من حيث الشكل أما من حيث المحتوى وكما هو معلوم أن أيديولوجيتهم مؤسسة على أفكار الأستاذ محمود محمد طه وهي في جوهرها فكرة دينية يمكن إدراجها في السياق الصوفي مع تجديد يواكب العصر إذ خرج بالصوفية من إطار الخلاص الفردي إلى إطار أكثر عمومية لتكون حركة مجتمع فقد كان مجدداً وباب التجديد لم ولن يوصد عند المسلمين في يوم من الأيام.
المختلفون فكرياً مع الفكر الجمهوري وهم من داخل العقيدة والفكرة الإسلامية اعتمدوا في مقاومته على حصار مؤسس الفكرة من الحكم بالردة إلى أن أوصلوه حبل المشنقة وكان هذا وحده كفيلاً بأن يحدث ردة فعل عنيفة عند أتباعه ولكنهم رغم ذلك التزموا بمنهجهم السلمي وظلوا ينبذون العنف, الأمر المؤكد أن إعدام مؤسس الفكرة قد أثر على نشاط الحركة الجمهورية فظلوا في حالة كمون حتى في فترة الديمقراطية التي أعقبت سقوط نميري ولكنهم كأفراد ظل بعضهم يسهم في الحياة الفكرية والثقافية. إن قوة الحركة الجمهورية ليست في عدد أفرادها إنما في طاقتها النقدية الهائلة لفكر خصومها السلفيين وغيرهم لذلك لايمكن لسوداني معاصر أن ينكر تأثيرها في مجمل الحراك السياسي والديني.
قبل أيام استجمع الجمهوريون قوتهم السياسية والعددية وتقدموا لممارسة حراكهم في شكل حزب معترف به على حسب منطوق الدستور السوداني الحالي وقد كانوا مستوفيين لكل مطلوبات الحزب ووافق مسجل مجلس الأحزاب على التصديق بالحزب ثم نشر طلب التصديق للطعون كما يقتضي القانون ولكن الغريب في الأمر أن الذين تقدموا بالطعون قد تجاوزوا المادة المنشورة كأسماء الأعضاء وملخص الفكرة إلى أفكار الأستاذ محمود الذي لم يرد ذكره إلا في اسم رئيسة الحزب الأستاذة أسماء محمود محمد طه فتم رفض تسجيل الحزب وبالتالي إعطائه مشروعية الحركة كالجلوس مع الـ 83 حزباً التي لم يسمع بمعظمها أهل السودان في قاعة الصداقة للأخذ والرد في الشان السوداني العام.
إن عدم تسجيل الحزب الجمهوري يعتبر مخالفة واضحة للدستور لا بل يدخل في محاكمة النوايا وهذا لا يليق بجهة قانونية محترمة فالقاضي لا يحكم بعلمه ولا بتحريض جاء في شكل طعن بل يحكم بالوقائع التي أمامه. أما من ناحية سياسية ففي رفض التسجيل ضربة موجعة لمناخ الانفتاح والدعوة للحوار والحديث عن ابتدار مرحلة سياسية جديدة تكفل الحقوق الدستورية للناس كل الناس في السودان.
ردة فعل الذين تقدموا للتصديق للحزب جاءت متوافقة مع منهجهم السلمي إذ تقدموا بطعن للمحكمة الدستورية ودون أن نتدخل في شأن قضائي لم يحسم فإننا نتوقع أن يأتي قرار المحكمة المحترمة متوافقاً والدستور الذي عليه العمل الآن وسيكون في هذا رسالة بليغة للناس كل الناس في داخل السودان وخارجه .
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]