عبد الجليل سليمان

زمن أبي حنيفة


[JUSTIFY]
زمن أبي حنيفة

وفي صدر الزميلة “الصيحة” عدد أمس، يأتي مولانا “كمال رزق” إمام مسجد الخرطوم العتيق من لدن الإمام أبي حنيفة النعمان بالخبر اليقين، قال: إن الفقه الحنفي لا يجوز قتل الطبيبة “مريم”، لكنه أقر بصحة حكم القاضي، الذي قضى بجلدها ثم إعدامها، بعد أن تضع حملها وتُرضع (طفلها) المُتوقع. فكيف نفهم ذلك التناقض، فالشيخ “رزق” بدأ – من ناحية – وكأنه يرى عدم صحة الحكم وإلاّ لمَ استدعى أبي حنيفة، ثم عاد من الجهة الأخرى – ليؤكد صحة النقيض (حكم القاضي).
دعونا نتأمل ذلك بعقل وقلب مفتوحين، دون هرج وهوج لا لزوم لهما، فالمذهب الحنفي لا يجوِّز قتل النساء المرتدات، بل يُحبسن ويُستتبن حتى يعدن إلى دينهن اللائي تخلين عنه، مع العلم أن الطبيبة قالت: إنها لم تكن مسلمة حتى ترتد.
بغض النظر عما قالته هي، وبغض النظر عن الجدل الفقهي واختلاف آراء المذاهب حول حكم (الردة)، نتساءل: أين اختبأ القياس؟.. قياس قضية “مريم” بسابقة المرأة الغامدية التي زنت, وجاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) تسعى، فقالت: (يا رسول الله لقد أصبت حداً فطهرني…) وبقية الحديث معروفة، لا داعي لذكرهاهنا.
لأن الشريعة تقوم على إيجاد منافذ ومخارج (درء الحدود) بالشبهات، واحدة منها، والأخرى هي اللجوء للفتوى الأخف ضرراً، والأكثر تسامحاً.
إذاً، أما كان يجب وفقاً للشيخ (كمال رزق) ولمحامي (مريم) أن تلجأ المحكمة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان (رضي الله عنه)، وتأخذ بفتواه، بدلاً من الأخذ بالمذاهب الأكثر تشدداً في هذه الجزئية..؟
هذا الرفق في الأحكام هو سمة الإسلام الحقيقي، والذي يريد أن يتأكد من ذلك دونما تعقيدات كثيرة فليعد إلى قصة النبي الكريم مع الغامدية، وقصص كثيرة أخرى تؤكد أن ديننا الحنيف يعمد إلى التخفيف والتسامح وإيجاد مخارج وذرائع للذين أخطأوا أو ارتكبوا جرماً، خاصة في المسائل الشخصية، وليست العامة.
أقول ذلك، وفي جعبتي الكثير من الأمثلة، التي تكشف تشدد بعض الفقهاء في المسائل الشخصية، ومرونتهم التي تصل حد (الطناش) في الأمور التي تتعلق بالقضايا العامة مثل (لهط أموال الشعب)، فيعمدون إلى إيجاد مخارج (للحرامية)، وما التحلل ببعيد..!
نريد من الأئمة الكبار أمثال الشيخ “كمال رزق” أن يرشدوا لإسلام معتدل دونما تفريط، وأظن أن هذا ما فعله بتحفظ في تصريحه لـ(الصيحة)، عندما أشار لفتوى أبي حنيفة في حكم المرأة المرتدة، كما نريد منهم جميعاً أن يهبوا معنا ضد الفساد والمفسدين كما يفعل الشيخ رزق وأن يسخروا منابرهم لمجابهة سارقي أموال الشعب، ويتمهلوا ويترفقوا قليلاً فيما دون ذلك، فـ(إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذ سرق الضعيف أقاموا عليه الحد). ولا زلنا ندخر منابركم ليوم كريهة وسداد ثغر، وليس هنالك أياماً ينطبق عليها هذا القول مثل أيامنا هذه، فانفروا جميعكم إلى عظائم الأمور.. يرحمكم الله.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي