جمال علي حسن

قوانين الإنقاذ.. صمت الأقارب وجحور العقارب

[JUSTIFY]
قوانين الإنقاذ.. صمت الأقارب وجحور العقارب

إعدام الطبيبة المرتدة، حكم مستنكر ومرفوض.. لكن يجب أن لا ننسى أن قاضي محكمة الحاج يوسف لم يحكم على الطبيبة المرتدة (من راسو) أو بتقديرات خاصة إنما حكم عليها تطبيقاً لنص مادة من مواد القانون الجنائي السوداني لعام 1991م، هي المادة 126 (الردة) والتي يقول نصها: (1) يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة. (2) يستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام، يعاقب بالإعدام. (3) تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد قبل التنفيذ).

يبدو لي أن مشوار تعديل القوانين المطلوب تعديلها سيكون أطول مسافة من ما كانت المعارضة تتخيل..

ودائما الجدل يثار، حين يكون الحديث عن الأحكام التي تستند في مرجعيتها على الفقه الشرعي ودائما الناس منقسمون على قسمين، الأول يأتيك منفعلا وليس لديه أي استعداد حتى للاستماع لرأيك لأنك في ظنه و(من شكلك كدا) تتبنى آراء ومواقف أعداء الدين ثم يرميك بكل ما يتوفر عنده في لحظة الانفعال من اتهامات..!

لذلك يتخذ الكثير من المثقفين (ساتراً) ويبعدوا أنفسهم عن (البهدلة) بعد التورط مع هؤلاء في أي نقاش خاصة وأن هؤلاء المتزمتين يعتمدون نظرية (لا أقبل إلا بما أرى).. حتى ولو كان هو مصاباً بقصر النظر أو قصر الفهم لمقاصد الشريعة الإسلامية.

كتبت في الفيسبوك متسائلا ألا يبرر اختلاف العلماء حول عقوبة المرتد عن الإسلام، ألا يبرر للحكومة عدم الأخذ بعقوبة الإعدام.. ويرفع عنها الحرج الشرعي في ما يسمى (بالترخص بالخلاف)..؟

وفعلا دار نقاش كانت مداخلاتنا فيه مثل المشي في حقل ألغام حاولت فيه تفادي التعاطي مع الآراء المتجمدة، ومثلي في صفحات الفيسبوك كثيرون يتفادون جحور الأفاعي لأنها ترميك بالسم القاتل كي تدافع عن نفسها..!

هل نحن في دولة إسلام وسطي معتدل أم في دولة طالبانية تتبنى أكثر المذاهب تطرفاً..؟

هل تضع الدولة مثل هذه الأحكام إخراساً لهكذا جدل أو دفنًا لجحور الأفاعي وتجنباً لردة فعل التيارات المتطرفة؟ الإجابة قد تكون نعم.. لأنه لو لم تتضمن القوانين هذه المواد بعقوباتها التي يعتقدون بها لانقلبوا على الحكومة واتهموها بأنها تحكم بغير ما أنزل الله.. ويبدأ فيلم جديد اسمه تكفير الحكومة..

في عام 1991 الذي تم فيه وضع القانون الجنائي وتضمين هذه المواد كان الشيخ حسن الترابي نفسه هو المنظر الأول والمرجع الفكري للحكومة حينها، والمعروف أن الترابي له آراء قديمة حول عقوبة المرتد عن الإسلام بل إن الكثير من الإسلاميين الآخرين داخل المؤتمر الوطني أو الشعبي لهم نفس هذه الآراء مثل كمال عمر المحامي الذي قال إن هذه المواد تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية.

الملاحظ أن هؤلاء لم يتدخلوا أو يعترضوا على نصوص هذا القانون حين تم وضعه، ولم يعلنوا في ذلك الوقت الذي كانوا فيه متمكنين لم يعلنوا على الأقل رفضهم لهذه النصوص.. مثلهم مثل معظم المثقفين الذين يتجنبون الاقتراب من خنادق المتطرفين.. وجحور العقارب.

نحن ننتظر عدالة شرعية حكيمة تتدخل لوضع نهاية لقضية مريم بعيدا عن حبل المشنقة، كما نسأل الله تعالى لها الهداية.. لكن الأمر الأهم هو الانتباه لتعديل هذه القوانين في المرحلة القادمة بما يعبر عن نهج الإسلام الوسطي الذي يعرفه ويعتنقه أهل السودان، إسلام لا يرتد عنه أحد لأنه يحتكم للوسطية والاعتدال.. إسلام الحرية وليس إسلام العبودية.. أما جماعات التطرف والتزيد والإرهاب الفكري فو الله ما نفعوا الدين بقدر ما أضروا بسمعته وسمعة المسلمين في العالم.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي