تحقيقات وتقارير

الانقــاذ والمســتقبل :غالبة أم خاسرة أم شريكة؟

[ALIGN=JUSTIFY]منذ شهقتها الأولى لم تهنأ الانقاذ بالسكينة بين مدٍ وجزر وشد وجذب عاشت حياتها، فأول بذرة لها كانت شقاقاً بين حبيس ورئيس تفتحت واينعت بعد عقد من الزمان بذهاب الرئيس إلى القصر وذهاب الشيخ الى المنشية. والبذرة الثانية كانت مشروعاً حضارياً تفرق دمه بين الاتفاقيات العديدة بعد عقد آخر من الزمان، ومع ذلك، ما تزال الانقاذ ماكثة في الارض وتحتفل بعيدها التاسع عشر، وماتزال واقعاً نراه رأي العين ونكتب عنها هذا التقرير متسائلين حول مستقبلها.
في البدء يحدد لنا الدكتور حسن مكي ان المستقبل ليس ابيض أو اسود وانما هو دوائر تتقاطع، ومن هذا التحديد نتجه بالسؤال الى الدكتور الطييب زين العابدين «كيف هو مستقبل الانقاذ التي بدأت بالمشروع الحضاري وانتهت مكبلة بالاتفاقيات التي وقعتها»، فيقول «المشروع الحضاري لم يعد مطروحاً في الساحة وهو أصلاً جاء دون تفويض شعبي، اضطرت بعده الانقاذ للدخول في تسويات سياسية مع الجنوب والشرق والغرب وقد تكون لها استحقاقات أخرى مع دارفور ونوع من المساومة مع الاطراف السياسية الأخرى، وحين نقول ان السودان فيه تنوع نقصد ان يظهر هذا التنوع في القرار السياسي ويكون هذا القرار وليد كل القوى السياسية. ويمضي د. الطيب الى توضيح ان المعادلة كانت داخلية تخص الحركة الاسلامية التقليدية وان الرؤية كانت احادية لفئة محدودة العدد في السودان تمثل حسب آخر انتخابات اقل من 02% من القوى السياسية. بينما المعادلة الآن اصبحت عامة وفيها تعددية واسعة تشمل كل القوى السياسية.
اذاً اختلف الحال وانتقلت الانقاذ من حال الى حال رغم تمسك بعض اهلها بالفزع بآمالهم إلى الكذب، مما يضطر معه الدكتور حيدر ابراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية إلى وصف ذلك بالمكابرة حين يقول لي عبر الهاتف امس «هناك نوع من المكابرة في ان الانقاذ مازالت تطبق مشروعاً اسلامياً حضارياً حديثاً» ، مشيراً الى ان السبب في هذه المكابرة انها تريد أن تعرض نفسها كدولة مختلفة تتبنى الإسلام وتقف ضد الحضارة الغربية والإمبريالية وبالتالي تتأتى كل مشاكلها في انها دولة مستهدفة من الغرب وأن هنالك مؤامرة تحاك ضد السودان. ويذهب د. حيدر إلى انها بهذه الطريقة تحاول أن تتملص من كل الأخطاء الناتجة عن التطبيقات والسياسات الخاطئة (لتكون المشكلة ليست في الانقاذ وانما في الهجوم الغربي ضدها وبالتالي تعتبر المشكلات مشكلات مفتعلة ، فأزمة دارفور حسب تحليل الانقاذ هي نتيجة لتضخيم الإعلام الغربي لمشكلة في غاية البساطة، والإنهيار في الاقتصاد سببه الحصار، باختصار تحاول الإنقاذ ان ترحل فشلها وخيباتها وسوء سياساتها الى الآخر وهو الغرب).
ويؤكد الدكتور حيدر ابراهيم أن الانقاذ هي فشل ذريع في كل مجالات السياسة الداخلية والخارجية ولكن من البديهي أن يقفز السؤال (اذا كانت الانقاذ فشلاً ذريعاً فكيف استمرت)، يجيب د. حيدر (أي نظام سياسي لا يسقط بسبب سياساته الخاطئة فقط إن لم يكن هناك بديل يتجاوز بالجماهير المرحلة التي تعيشها الآن، ولحسن حظ الانقاذ يغيب البديل تماماً ، بل استطاعت ان تجتذب عناصر سياسية عريضة التأييد إلى جانبها، وآخر مظاهر هذا التطور السياسي هو التراضي الوطني).
فقط إلى أي مدى ستستمر عملية الاجتذاب هذه وهل يمكن ان يبنى مستقبل على الاجتذاب ، الدكتور الطيب زين العابدين الخبير في شأن الحركة الإسلامية والمحلل السياسي المعروف يرفض في محادثتي معه عبر الهاتف امس، جملة وتفصيلا وجود مستقبل للإنقاذ قائلاً بحسم (الانقاذ ليست موجودة دستورياً حتى يكون لديها مستقبل والذين يحتفلون الآن يحتفلون ببعاتي)، ولكنه يستدرك بالقول (طبعاً سياسياً هي استمرار للمؤتمر الوطني) ثم يعود ليقول التعددية الآن تحققت وإن كان الجهاز التنفيذي ما زال تحت سيطرة المؤتمر الوطني وفي المؤتمر الوطني تحت سيطرة الحركة الإسلامية ولكن تبقى الحقيقة أن السلطة تقلصت واصبحت أقل مما كان على مستوى شمال السودان لأن الجنوب اصلاً اخذ حصته لوحده، ويخلص زين العابدين انه لابد من الوصول الى تسوية (قد لا تجد الانقاذ فيها ما تريد ولكن تجد القوى الاخرى كل ما تريد).
بينما يقرر الدكتور حيدر ابراهيم ان الانقاذ يمكن ان تستمر هي نفسها لعدم وجود اي بديل فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم مضيفاً طالما ساكتين عليها سوف ينطبق علينا القول «كما تكونوا يولى عليكم»، ولا يدع الدكتور حيدر الحديث هكذا وانما يضيف اليه «هذا يمكن ان يبين ما يسمى بتشاؤم الفكر وتفاؤل الارادة، فهذا الواقع يستوجب علينا ان نبدأ بمثابرة وعمل من الصفر يستنهض الجماهير بوضوح نحو مستقبل مختلف جذريا لا يخضع للمساومات ولا للحلول الوسط ولا الوفاق الزائف».
حسنا وصلنا الى محطة الجماهير، كعامل حاسم في المستقبل القادم، وهنا يقول محمد عبده محي الدين مدير مركز تنمية الديمقراطية في محادثة مباشرة معه امس ان «احتفال الانقاذ بذكراها قبيل الانتخابات هو تذكير للشعب السوداني والناخب القادم بما فعلته الانقاذ واعتقد انهم «دقسوا» لأن الانقاذ سلبياتها اكثر من ايجابياتها».
ويمضي د. حسن مكي في حديثه معي عبر الهاتف امس في ذات اتجاه ان المستقبل هو الناخب، واضعا ثلاثة سيناريوهات للمستقبل الاول ان يكون المؤتمر الوطني غالبا في الانتخابات وهذا معناه ان يتولى التيار السياسي للحزب زمام الامور، والثاني ان كان خاسرا في الانتخابات وهذا الاحتمال ستترتب عليه اشكالية للمؤتمر الوطني في كونه سيكون حزبا معارضا يفتقد للشخصيات التاريخية وسيفقد بالضرورة من جاءت بهم ريحة السلطة فهؤلاء سينفضون عنه، والثالث ان يكون شريكا وفي هذه الحالة ستظل القضايا تراوح مكانها كما هو حادث الآن.
ويشير مكي الى ان المستقبل دوائر تتقاطع وفي كل مرحلة تصعد مجموعة وتذهب مجموعة مثل ما حدث لمجلس قيادة الثورة وذهاب الدكتور حسن الترابي، مؤشرا الى اننا قد لا نجد العساكر في المرحلة المقبلة «لان الاساس هو المرحلة الانتخابية».
تقرير: التقي محمد عثمان :الصحافة [/ALIGN]