جمال علي حسن

تجريم الصحفيين.. شهادة كفاءة مهنية


[JUSTIFY]
تجريم الصحفيين.. شهادة كفاءة مهنية

ومن قبل تسبب سؤال الزميل بهرام في تبديد وزير الإعلام لكل ما يملك من مخزون اللياقة والمرونة المطلوبة في مسؤول بصفة وزير إعلام..
وقبل سنوات وزير آخر من الوزراء السابقين كنت قد اضطررت أن أمسح بيدي محيط سماعة الهاتف لأزيل الزبد الذي تطاير ومضى عبر أثير الهاتف إلى أذني المهيأتين أصلا لاستقبال شحنات الزبد والكلام الانفعالي (الفارغ)..!
ومن الحكايات القديمة أذكر في تحقيق صحفي كنت أجريته عام 1997 لصالح مكتب صحيفة الراية القطرية حول (المسرح السوداني بعد نصف قرن) حيث كنت أعمل متعاونا مع مراسل الصحيفة القطرية بالخرطوم أستاذي الجليل سيف الدين البشير، وكان الأستاذ المبدع هاشم صديق هو المصدر الأهم للمعلومات حول هذا الموضوع فذهبنا إليه أنا وزميلة تركت الصحافة فيما بعد، ذهبنا إليه في منزله بحي بانت وكانت بداية الحديث (ونسة عامة) شعرت من خلالها أن أستاذ هاشم في تلك الفترة كان بعد مغادرته للتلفزيون متحفظاً جداً في التعامل مع أجهزة الإعلام ولو لم يكن التحقيق الصحفي لصحيفة خارجية فربما لم نكن نحظى بالجلوس إليه من الأساس.. بدأ أستاذ هاشم يحكي لنا عن ما يشعر به من ترصد أجهزة الأمن له وحكى عن (المواتر) التي تتجول حول محيط بيته تراقبه وتترصد حركته وكلام كثير من هذا القبيل.. حسب ما كان يعتقد هو، ثم استدرك فجأة أنه يجلس إلى صحفيين في زمن الإنقاذ ليوجه لنا سؤالا استكشافيا مباغتا: “أظنكم إنتو معاهم مش؟”..
مثل هذا الاتهام الذي ظل يوجه للصحافة السودانية في سنوات الإنقاذ بأنها صحافة تنظيمية (كيزانية) وغير مهنية هو الذي غيّر مسارات وتوجهات الكثير من الصحفيين الذين قابلناهم في دنيا الصحافة حيث دخل الكثيرون منهم عبر بوابة الحياد المهني فاكتشفوا أن ممارسة الصحافة في الخرطوم بعد 89 بنظر الكثير من القوى المتوجسة والموسوسة تعني تصنيف المحايد المهني في خانة الكوز (المتدثر) بثياب المهنية.
وتصنيف الصحفي صاحب الميول المعارضة في خانة الأمنجي (المراوغ).. وتصنيف الصحفي صاحب الخلفيات والأدبيات اليسارية حين يقدم أي موقف مهني محايد بأنه باع القضية وقبض الثمن.
ما حدث للصحفيين في دار حزب الأمة من إهانة واعتداء يعبِّر عن هذه الأزمة التي ظلت هي قَدَرْ الصحافة السودانية والصحفيين بأن تصطادهم نيران كل الأطراف بالشكوك والاتهامات بسبب إصرارهم على التمسك بدرجة عالية من المهنية في ممارسة عملهم.
التحية للزملاء الصحفيين الشرفاء الذين قدر الله لهم أن يعملوا في ساحة سياسية موبوءة بالشكوك والوساس وعدم الثقة بالنفس لدى كل الأطراف.
التحية للزملاء الصحفيين في السودان الذين أثبتوا بمهنيتهم العالية أن الصحافة السودانية التي تسيئ لها القوى السياسية في اليمين واليسار في هذه المرحلة تمثل أنموذجاً مهنياً (شاطر) قلما نجد مثيله في المنطقة العربية، والدليل على ذلك أنها صحافة مجرَّمة من الحكومة ومن المعارضة معاً وهذه هي أكبر شهادات الحياد والنجاح المهني.. صحافة متقدمة في وعيها السياسي على السياسيين، صحافة تقودكم هي.. ولا تقودونها أنتم.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي