جمال علي حسن

لا تحذير ولا تهديد.. قانون ملزم للطرفين


[JUSTIFY]
لا تحذير ولا تهديد.. قانون ملزم للطرفين

من الطبيعي أن تفرط الصحافة في تناول وجبة الحرية بعد جوعها فتأكل حتى تشعر بالشبع أو أكثر من ذلك، لأن القاعدة تقول إن الحرمان يولد رغبة في الإفراط في الأكل.. وهذا يفسر تردد الكثير من الناس على عيادات الأطباء بعد الإفطار في أول أيام شهر رمضان.
ومن الواضح أن الحكومة كانت قد هيأت نفسها للتعامل مع درجات محددة من النقد السياسي في مستوى المطالبة بالحريات والتعبير عن الرغبة في الانتقال إلى الحالة الديموقراطية الكاملة، حسب السقف المعلن من مطالب المعارضة.
لكنها أي الحكومة لم تكن تنتبه إلى ملف آخر خاص بمفارقات اجتماعية واقتصادية وظواهر مزعجة يمكن ملاحظتها بسهولة لكن لا يمكن إثباتها بنفس هذه السهولة، وهي التي تتعلق بالثراء السريع وبروز أسماء في عالم المال والأعمال في وقت وجيز، ظهروا وتربعوا بالجلوس في مقاعد بارزة في المجتمع الاقتصادي وعالم المال والأعمال دون أي منطق ولا تفسير مقنع.
وتكاد هذه القضايا تكون من أهم أسباب تراكم السخط العام وتزايد نسبته بين الناس..
الحكومة كانت تتخيل أن كل المطلوب هو توفير مساحة للحرية السياسية لكنها لم تكن تنتبه إلى أن أي ندوة سياسية معارضة سينتقل الحديث فيها بعد الدقائق الخمس الأولى مباشرة إلى عالم الفساد..
ترتيبات مكافحة ومعالجة الفساد قلنا وسنقول ألف مرة إنها تكاد تتخذ موقعا متقدماً على الحريات السياسية نفسها في بلادنا.. فالحديث عن الديموقراطية ليس متفقا عليه كاتفاق الناس حول الحديث عن الفساد وتبديد موارد البلاد وسوء استخدام السلطة على مستويات كثيرة تبدأ من موظف متنفذ في المؤسسة المحددة ومروراً بمديرين فعلوا ما فعلوا من (خرمجة) وسوء استخدام لمواقعهم وسلطتهم ثم وصولا ًإلى درجات أعلى تصل إلى وزراء وولاة يلاحظ الرأي العام ما يجب أن يوصف بأنه نوع من الفساد في عملهم..
هذه تراكمات حقيقية وكان يجب أن تضع الحكومة ترتيبات مقنعة ومناسبة للتعامل معها بما يجعل المواطن يشعر حقيقة بأن هناك تصحيحا كاملا لكل الأوضاع المغلوطة.. ولم يمض شيء، الآن باشروا تصحيحها وستجدون كل الناس معكم وخلفكم يناصرون ثورة العدالة الناجزة والحقيقية.
الصحافة لم تكن مهتمة بالانتقال السياسي بقدر اهتمامها بهذه القضايا المتفق عليها، أو التي يجب أن يكون الجميع على قناعة بتصحيحها بشكل حاسم لا تمييع فيه ولا تضييع.
جاءت سابقة التحلل والتي تم استدراكها لاحقاً.. جاءت خصماً على الشعور بالاطمئنان العام لحقيقة ونوايا المرحلة..
نحن على قناعة بأن هذه المرحلة صادقة وعلى قناعة بأن ما صاحبها من أخطاء في هذه الفترة القصيرة منذ خطاب البشير وحتى الآن لا يرقى للحكم عليها بأنها مرحلة مراوغة وكسب وقت من النظام الحاكم بل هي أخطاء وسوء تقديرات وسوء تصرف صاحب الكثير من الملفات التي طفحت وبرزت وعبرت عن مظهر تراجع أو ردة سياسية للنظام عن خطوات اتخذها ومضت، وكان من المفترض والمتوقع أن تتطور إيجاباً بأسرع من هذا الإيقاع الذي يمضي الآن لو لا التقاطعات التي حدثت.
تحذير رئاسة الجمهورية للصحافة أمس، هو في مضمونه عبارة عن بيان حث ونصح ولكن في عنوانه البارز عبارة عن منشور تهديد..!
وهذا التناقض بين المضمون والعنوان يعبر عن حالة احتقان وضيق وغضب مكتوم يعانيها النظام الحاكم أخشى أن تصل به حد الانفجار المبكر.. لذلك نرجو ونطالب بأن تطلب القيادات الإعلامية في البلاد من المسؤولين في قيادة البلاد عقد مؤتمر جامع لمناقشة الإطار المؤسسي العام لحرية الصحافة، ثم تتم صياغة مخرجات هذا المؤتمر لوضع ميثاق ملزم يتوافق عليه الجميع يكون هو العقد الحاكم لعلاقة السلطة بالصحافة مع تحديد صارم لدور وصلاحيات المؤسسات المرجعية لمراقبة التزام الصحافة بهذا الميثاق وتحديد معايير متفق عليها حتى لا تفقد الصحافة أغلى ما تمتلك وأغلى ما يتوفر لديها الآن وهو حريتها في الممارسة المهنية دون تحذيرات أو تهديدات أو أي نوع من أنواع التدخل .
القانون فقط يحكم ويضبط ويعاقب، أما الحرية التي لا معيار لقياسها ودرجتها فهي لن تكون أكثر من لحظات أو أيام ثم تنتهي ويعود الرقيب غير المرغوب في عودته وتعود المصادرات وقرارات الإغلاق والمنع والمَنتجة والتقطيع.
أفضل لنا أن نضع ميثاقاً حقيقياً ملزماً للطرفين، السلطة والصحافة وليس ما يسمونه بميثاق الشرف الصحفي لو كان هو الميثاق العرفي وغير القانوني أو الدستوري.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي