ثقافة العمل الجماعي
كشفت دراسة جديدة أن أعضاء الجوقة الموسيقية الذين يغنون بشكل جماعي يتمتعون بضربات قلب منتظمة ومتناغمة، ورأت الدراسة أن الموسيقى والغناء قد يكونان نوعا من العلاج لمن يُعاني ضيق التنفس وعدم انتظام ضربات القلب.
وتذهب الدراسة إلى أن هذه هي النتيجة ذاتها (مع فروق نسبية) لأي جهد جماعي، حتى في (قيم العمل الحديث) التي تعتمد انجاز المهام في شكل فريق، وتعلي من قيمة الجماعة، فينصهر دور الفرد ويضمحل وينحسر ويكاد يتلاشى، وبالتالي ينتظم إيقاع الحياة وضربات قلبها ويتعافى المجتمع من أمراضه النفسية والاجتماعية.
قرأت قبل عدة أشهر في احدى الصحف إعلاناً يطلب شاغلين لوظيفة شاغرة في إحدى المنظمات الأممية، فأدهشني الشرط الأول للوظيفة الذي لم يكن (خبرة لعدد من السنوات، أو درجة أكاديمية رفيعة)، بل كان أن يكون المتقدم للوظيفة قادراً على العمل ضمن مجموعة من ثقافات وبيئات مختلفة.
(قبول الآخر) هذا هو أهم شرط في تطبيق نظرية العمل كفريق، وهي نظرية لا فكاك منها، أن نعمل كفريق أو نذهب إلى القارعة، ويبدو أننا نختار الطريق الثاني، حيث لم نستطع إلى الآن التخلي عن (فردانيتنا) وادعاءاتنا الزائفة بأن كل فرد منا يمتلك موهبة لا تتوفر لغيره، وأنه لولا جهده الفرد الصمد لما أنجز هذا العمل وأن بقية زملائه لا يساوون حتى (كومبارس) صغير، يمكن تغييره في أي لحظة، أو التخلي عنه تماماً.
وبينما نحن نمجد ذواتنا ونرفعها فوق الجميع ونعلي (فردانيتنا) فوق الجماعة ننظر حولنا في هذه الخرطوم فنرى الصينيين والمصريين والإثيوبيين، كيف يعملون؟ لا نسنطيع أن نُميز من هو الذي على رأس الفريق، فكل الرؤوس سواء، (كل في مجاله) مهم جداً وضروري.
أما نحن فمنذ اللحظات الأولى لتدشين أي عمل جماعي تظهر صدامات الأنا وتتبدى رغبة كل فرد في احتكار النجاح أما في حالات الفشل فإن غيره من يتحمل نتيجة ذلك لأنه لا يأتيه باطل أبداً، ودائماً ما تصل بنا فرادنياتنا ونفورنا من العمل الجماعي إلى إلى حالة أشبه بالأزمة، بل هي أزمة حقيقية، فتفكك وتنشق الأحزاب ويطالب البعضُ بخروجهم من الفريق أو خروج شخص أو أشخاص آخرين وإلاَّ فإن الفشل محتوم.
لذلك فإن تطبيق مبادئ الإدارة الحديثة على الموظفين والسياسيين السودانيين يبدو أمراً عسيراً إلاّ عندما يهاجر أحدهم إلى الخارج فلن يكون أمامه إلا الخضوع لمفردات نظم العمل في تلك البيئة.
أذكر أن أستاذاً من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا قال إبان العاصفة التي عمت الصحف العربية والاحتفالات التي انتظمتها بمناسبة نيل المصري أحمد زويل جائزة نوبل صيف 1999م: إن زويل بكل المعايير عقل علمي فذ، ولكن على كل إنسان أن يتذكّر أن هناك 17 شخصاً من ذات المؤسسة التي يعمل بها حصلوا قبله على نفس الجائزة في مجالات علمية عديدة، وهذا يعني أن (النظام) الذي يتبعة المعهد هو الفائز الحقيقي بالجائزة.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي