عبد الجليل سليمان

حُرّية ومسؤولية


[JUSTIFY]
حُرّية ومسؤولية

أكثر كلمتين تم استهلاكهما وسحقهما و(مرمطتتهما) من قبل السياسيين والصحفيين خلال الشهرين المُنصرمين والشهر الجاري، هما (الحُرية والمسؤولية)، حتى خشيت أن يحشرنا الرب في جهنم جراء تقليب ألسنتنا لهما.
صدقوني، أنا الآن أشعر بالذنب، لأنني (ألوكهما) مجدداً، لكن ما عساي فاعل مع كلمتين ساحريتين تختزنان معاني واضحة الدلالة والتراتبية (الحرية تتبعها المسؤولية)، وليس العكس، وهذا متفق عليه في كل القوانين والأعراف والنظم، حتى لم يعد أحداً (سوانا) يشغل نفسه ويهدر وقته ويبدده في (كثرة الكلام) عن أيهما تسبق الأخرى وأيهما تلحق بها.
وأمس، حزنت كثيراً وأنا أتأمل ما ورد في حوار الزميلة الرأي العام مع وزير الإعلام (الاتحادي)، حيث بدت لي إفاداته حول الحرية والمسؤولية وكأنها تبرير لعودة (المصادرة والإيقاف)، إذ كنت أتوقع (ويا ويحي)، أن يقرن الوزير المسؤولية بالقانون، ويترك الحرية (تشتغل) وفقاً لميكانيزماتها المعروفة، بمعنى (حرية) مقيدة بقانون، أي أن تذهب الجهة المُتضررة من النشر إلى القضاء بصفته (الحكم العدل) الوحيد في المنازعات، وما يصدُر من القضاء من أحكام هو معنى (المسؤولية)، عدا ذلك تبدو جدلية الحرية والمسؤولية التي (تعلكها) الألسن هذه الأيام فارغة من أي معنى ومضمون، لأن المسؤولية يحددها القانون ويبت فيها القضاء (وبس).
مقابل ذلك كله، تقف عبارة أخرى، وضعها الوزير كشفرة مدية حادة في عنق الصحافة، وهي (من واجب الصحافة كشف الفساد بمهنية)، لأنها عبارة مفخخة، حيث أن من المعلوم بالضرورة أن الصحافة المُحترمة ينبغي أن تلتزم جانب المهنية في قوالبها كافة، الخبر، التقرير، وكذلك التحقيق في كل القضايا (من ضمنها الفساد)، فلماذا يُشدد الوزير على التزام المهنية في قضايا الفساد فقط؟ فالأمر سيّان عما إذا كان التحقيق في فساد مالي أو إداري أو في حوادث سير، تفاقم البطالة، تجارة المُخدرات، غسيل الأموال، اغتصاب الأطفال، كلها تحتاج إلى مهنية وحرفية كبيرتين، ليست بالضرورة مُستندات وأدلة دامغة، يكفي أن تكشف الصحف عن مؤشرات فهي ليست سلطة مختصة في ضبط ومحاكمة الفاسدين واللصوص، بل هي تعطي بمهنية مؤشرات تستعين بها الجهات المختصة الشرطية والعدلية حتى تبتدر تحقيقات واسعة حول موضوع التحقيق، إذا ثبت العكس، فالقضاء حاضر، وهو الجهة الوحيدة التي تقع على عاتقها مسؤولية إصدار الأحكام على الصحف.
لذلك كله، ظللت أتحسس مسدسي كلما قرأت أو استمعت لأحدهم، وهو يتحدث عن الحرية والمسؤولية دونما إدراج للتقاضي والقانون في سياقهما، وكأنه مخول لجهات ما أو أشخاص أن يعطوا الكلمتين معاني تناسبهم وحدهم، ثم يريدون من الجميع أن يخضعوا لها.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي