جمال علي حسن

والفساد أيضاً خط أحمر يا علماء الهيئة


[JUSTIFY]
والفساد أيضاً خط أحمر يا علماء الهيئة

كنت أتوقع أن تطلق هيئة علماء السودان تصريحات حول قضية الفتاة المرتدة.. هذه الهيئة التي لا تكاد تسمع لها صوتا إلا في نوع محدد من القضايا التي لا ترتبط بشكل مباشر بأوجاع وآلام المسلمين المواطنين المزمنة في هذا البلد، لأن الردة حالة أو حالتان ولكن الفساد الذي يرتبط بالسرقة والاعتداء على المال العام أقرب إلى وصفه بأنه ظاهرة.. فأيهما الأوجع والأولى إذا قلنا إن كليهما حدود..؟!

نعم ثقافة الردة تضر بمشاعر المسلمين وتضر بدرجة ثبات الضعفاء على الدين وهي قضية عقيدة وقوانين وكل شيء.. هذا صحيح ولكن الصحيح أيضاً، والذي لا تتدخل فيه هذه الهيئة، هو أن الجوع الكافر وضيق الحال واحتراف الناس للسب واللعن الذي يجعل من الطبيعي والعادي أن تستمع لعبارات سب العقيدة في معظم احتكاكات المواطنين في الشارع العام، هي أيضاً قضايا وظواهر مسيئة للدين ومسيئة للمجتمع السوداني، مجتمع الذكر والذاكرين..

وهيئة علماء السودان التي أيدت الحكم الصادر ضد مريم يحيى، والقاضي بالإعدام حتى الموت إنفاذاً لحد الردة، وقالت إن حد الردة خط أحمر لا يجوز لأي أحد التحدث فيه أو إعادة النظر حوله أو مراجعته.. هذه الهيئة لم نسمع بها يوما تطالب الحكومة بتطبيق حد السرقة على لصوص المال العام..

أنا أتحدث عن حد وهم يتحدثون عن حد، وعلى صيغة عبارة المصريين لفظاً وليس معنى (مفيش حد أحسن من حد)..!

لم نر غضبة عارمة من علماء هذه الهيئة حين أثارت الصحافة حملة أكبر من حملتها ضد حكم الردة، أثارته على بند قانوني اسمه التحلل في قانون الثراء الحرام.. أين كانت هذه الهيئة..؟ ولماذا لم نسمع بها وبخطوطها الحمراء؟..

أليس حد السرقة من حدود الله؟.. إن حد السرقة في الشريعة الإسلامية هو قطع اليد، وليس أي حكم آخر، وطبق ذلك على المخزومية، فهل ستقف هيئة علماء السودان وتتابع قضايا الفساد التي تنظر المحاكم فيها الآن ثم تخرج بيانا مشابها لبيانها حول ردة الفتاة وتقول إن قطع يد لصوص المال العام هو أيضا خط أحمر وليس من حق أحد تخفيف الحكم به أو إلغاءه..؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسـامة: “يا أسـامة لا أراك تتكلم في حد من حدود الله” ثم قام وقال: “إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسى بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” [ رواه أحمد وأبو داود والنسـائي].

قد تتوب تلك الفتاة وتغلق ملف الردة بخطوطه الحمراء والصفراء (ويا دار ما دخلك شر)، ولكننا، وطالما أن هيئة علماء السودان بدأت ترسم لنا خطوطها الحمراء، فإننا سنستبشر بخطوط حمراء ترسمها هيئة علماء السودان في كل قضية تثبت فيها إدانة بسرقة المال العام، ولن نتركهم يتوارون في الخفاء ثم لا نسمع لهم صوتا إلا في مثل هذه القضايا التي لن نخوض في جدل مثار أصلا حولها، ولن نناقش ترجيحهم لإقامة الحد، فهم أدرى وأفقه وأعلم منا، فقط سنذكرهم ونعيد تذكيرهم ألف مرة حين يصدر أي حكم غداً أو بعد غدٍ في قضية فساد وسرقة مال عام سنذكرهم بلون الخط الذي يجب أن يرسموه.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي