عبد الجليل سليمان

أسامة والصواب السياسي


[JUSTIFY]
أسامة والصواب السياسي

كُتّاب كثيرون احتفوا بشكل لافت، ليس بمعنى (لافت) المتداولة في الصحافة واللغة اليومية، وإنما بما تكتنز وتستبطن من الغرائبية المستخدمة كتقنية مركزية للسرد في روايات الواقعية السحرية، وهي تقنية غير متسقة مع لغة الصحافة التي يتفرض أنها في الغالب مباشرة بنفخة روح مبدعة.
اسمحوا لي بإشارة عابرة إلى مصطلح الصواب السياسي (Political correctness)، وهو مصطلح أميركي بمعنى اللباقة اللفظية والكياسة بجميع أنواعها، وإجمالاً حسن اختيار المصطلح والعبارة اللذين لا يثيران الزعازع والنزاع وأن تتحاشى جرح شعور الآخرين.
ما أفرزته كتابات كثيرة من احتفاء بظهور أحد التنفيذيين والسياسيين البارزين في الحكومة، الذي أعفىّ عن سلطانه وأخذت منه سلطاته، بعد أن (كمن) فيهما كمون النار في العود، وأقصد الوزير السابق (أسامة عبد الله) فبدت لي طريقة الاحتفاء الكثيف بعودته من نافذة مؤسسة اسمها (سودان فاونديشن)- وربما أكون مخطئاً – بدت لي وكأنها نوع من عدم الصواب السياسي وكأنها (مُجانبة ومنافرة) للكياسة الإنسانية بعموميتها.
فـ (أسامة عبد الله) كما هو معلوم – كان وزيراً بحذاء العرش، مسخرة له كل الإمكانيات، مسموح له باتخاذ قرارات إستراتيجية، مبسوطة إليه الأموال وممدودة إليه الأيدي ذات القبضات القوِّية، أي أنه كان (مسنوداً)، ورغم ذلك ومُقارنة بالمدة التي أنفقها وزيراً فإن كثيراً من الراصدين لأدائه لا يذهبون إلى ما ذهب إليه الكاتبون المحتفون بالعودة لتأسيس السودان عبر القطاع، وهو ما عجز عنه وهو بين ظهراني الحكومة، وكي لا يصبح الأمر كأنه افتئات فلنعدد: أين مخرجات سد مروي، ستيت، و….، التي ملأت بها وزارته حين كان في سدتها الدنيا زعيقاً ونعيقاً (صحف، مجلات خاصة، زيارات، فضائيات مسخرة للتغطية)، ثم أين التنمية التي أحدثها (أسامة عبد الله) هل ترونها وأنتم تنظرون إلى طعامكم وشرابكم، وكسوتكم، ووسائل نقلكم، وطاقتكم الكهربائية والمائية، فمعظم السودانيين منخرطون في حالتي إظلام وظمأ سرمديتين.
لذلك فإن مبادرة (سودان فاونديشين) التي قيل إنها ستساهم في بناء السودان وتنميته اجتماعياً، اقتصادياً وإنتاجياً (الأخيرة دي كلمة زائدة)، رغم أنها وردت في الخبر، ما بين أعوام (2015 إلى 2025)، يبدو أمراً مفارقاً للكياسة واللباقة بالضبط كتلك الكتابات التي احتفت بالأمر دون أن تطرح الأسئلة الحقيقية.
شخصياً لا أثق في هذه المؤسسة، ولا أثق في الذين يقفون من خلفها، وعدم الثقة هذا ليس ناجماً من موقف ما (سياسي أو آيدلوجي أو شخصي)، وانما نتيجة لإخضاع مبذول ومنجز الرجل الأول في المؤسسة وبالنتيجة (طاقمة)، إلى مبادئ التحليل البسيط لأدائهم ومنتوج وحصاد إدارتهم للتنمية في البلاد لعقود طوال، هذا الإخضاع نتائجة ماثلة الآن، لا كهرباء عمت القرى والحضر ولا ماء وصل بورتسودان، ولا مشروعات ري كبرى أنتجت محصولاً وفيراً (قطناً وقمحاً) يجعلان الشعب كله يغني مُجدداً (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع).
ثم إنه (كفاية) على (أسامة)، فهو ليس سيوبر مان حتى ينقذ العباد والبلاد بـ (فاونديشنه) تلك، عليه أن يستريح، ويعطي الفرصة لغيره، وعلى الصحف أن تستريح قليلاً وتنفض عن صفحاتها غبار سيرته.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي