الوديعة و القروض
:: فالقرية نائية، ومهجورة تماماً، ومعزولة عن محيطها.. وفقيرة للغاية، وبلا موارد تفي بنود الصرف.. وكل من فيها – حاكماً كان أو محكوماً- غارق في الديون، ومن وطأة البؤس يكاد أن يقتات سكان القرية من بيت النمل ..وفجأة، ذات صيف، يتفاجأ فندق القرية بسائح عابر قصد أن ينام ليلة بالفندق المتهالك .. وعند موظف الإستقبال، يضع السائح حقيبته ومائة دولار كأمانة، ويستلم مفتاح الغرفة من الموظف ليتفقد حال الغرفة والفندق، قبل أن يقرر البقاء .
:: ويستغل موظف إستقبال الفندق فرصة تجوال السائح ما بين الغرفة وردهاتها، ويسرق المائة دولار ويهرول بها إلى حيث جزار القرية، ليخصمها من ديون الجزارة التي تثقل كاهل هذا الموظف .. يفرح جزار القرية بالمائة دولار، ويشكر موظف الفندق عليها، ثم يهرول بها إلى تاجر المواشي ليسدد بها ما عليه من ديون بطرف هذا التاجر .. ويحتفي تاجر المواشي بالمائة دولار، ويشكر الجزار عليها، ثم يهرول بها إلى تاجر العلف ليسدد بها ديونه .
:: ويفرح تاجر العلف بالمائة دولار، ويشكر تاجر المواشي عليها، ثم يهرول بها إلى وسط القرية.. وهناك، تقيم فتاة الليل التي تقدم خدماتها لتاجر العلف وآخرين بنظام (التقسيط المريح)، و تفرح بالمائة دولار التي جاء بها تاجر العلف، وتشكره عليها.. وبعد الشكر، تركض الفتاة بالمائة دولار إلى فندق القرية، إذ هي تستأجر غرفة بالفندق لخدمة تاجر العلف وغيره من الزبائن، وعليها ديون متأخرة يجب سدادها.
:: وعند إستقبال الفندق، تجد الفتاة موظف الإستقبال الذي سرق المائة دولار من حقيبة السائح، وتسلمه المائة دولار ذاتها، ويستلمها الموظف ويعيدها سريعاً إلى حقيبة السائح.. وبعد الإعادة بثوان، يعود السائح من رحلة التجوال وتفقد غرف الفندق، ويحمل حقيبته ويغادر القرية، أي لم يعجبه حال الفندق البائس وغرفه المتهالكة..نعم، لم يكسب سكان القرية المائة دولار..لا موظف الفندق، ولا الجزار، ولا تاجر العلف، ولا فتاة الليل .. ولكنهم – جميعاً – سددوا بالمائة دولار ديونهم لبعضهم ..!!
:: رواة تلك الحكاية، وهم كُثر، أكدوا أن الولايات المتحدة الأمريكية تدير إقتصاد دول العالم الثالث – والأخير طبعاً- بذاك النهج.. ولكن المراقب للحال الإقتصادي لبعض دول العالم الثالث، يكتشف أن الأنظمة التي تدمن القروض وتعشق الودائع أيضا تدير إقتصاد دولها – ذات الموارد الطبيعية غير المستغلة – بذات (النهج غير القويم )، أي بالنهج الذي لايحقق ربحاً للمواطن، ولا عائداً للوطن، ولا إستقراراً للسكان..!!
:: فالقروض والودائع، مهما كان حجمها، ما لم تُغرس في الأرض بحيث تكون ( زرعاً مثمراً)، أو توضع في المصانع بحيث تكون ( إنتاجاً وتصديراً)، فتصبح – القروض والودائع – مجرد عملات ورقية تلف وتدور حول ذاتها بلا جدوى، أي فقط تُرسخ في واقع حياة الناس والبلد نظرية ( طاقية ده في رأس ده)، إلى أن يطلبها صاحبها (مع الأرباح طبعا)، فتقعد البلاد والعباد كما كانت ( مهجورة وفقيرة)..ولذلك، أي من وحي تجارب لم تحقق الإنتاج المنشود، لم تعد أخبار القروض- أو الوديعة القطرية – تسعد الناس في بلادنا، إذ هي كما تلك ..( المائة دولار)..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]