مركب على الله
كثيرون الذين تفرض عليهم مهنتهم متابعة الشأن السياسي في البلاد، سياسيون وإعلاميون ودبلوماسيون واستخباريون ومخابراتيون وهلم جرا. سودانيون كانوا أم أجانب. بعضهم يعمل بمهنية وحياد وهؤلاء قد يجدون متعة في رصد الأحداث ولكنهم سيكونون أشقى الناس عندما يفكرون في استيعاب الذي يجري أمامهم لأنه عصي عن الفهم. أما المتابعون بعاطفة مع أو ضد فليكن الله في عونهم، فهؤلاء تعاستهم لاحد لها لأنهم كلما رصدوا أكثر وجدوا تضاربا أكثر.
إن استعصاء ما يجري في السودان على الفهم لا يعود إلى أن الأحداث التي تجري فيه لا مثيل لها في العالم فالسودان مثله مثل كثير من الدول خاصة دول الجوار يعاني سيلا من الأزمات المتلاحقة كما أن الاستعصاء لا يعود لعبقرية في الذين يصنعون الأحداث بل على العكس تماما لأن ما نظنهم فاعلين لو تمعنا جيدا سوف نجدهم (راقدين كنب) وأكثر الذي يصدر منهم الفعل يصدر بدون تخطيط مسبق وبعضهم ينسب له الحدث وهو لا يعلم به إلا بعد وقوعه وبعض الذين نظنهم فاعلين يتلقون المعلومة مثلهم مثل الآخرين،
دون التدخل في أمر قضائي كما أمرت النيابة ومن باب التحليل السياسي فقط نأخذ, حبس السيد الصادق المهدي فهو يراه نعمة في طي نقمة على وزن (رب ضارة نافعة) وأنه يأتي ضمن سياق التضييق عليه وأنه قد أعاد إليه شعبيته وأنه لو أنفق ما في الأرض كلها لما حقق المكاسب التي عادت عليه من سياسات الحكومة الجديدة تجاهه بينما الحكومة رأت في حبسه رسالة الى أن حوارها مع الآخرين لن يكون على حساب وجودها وأنها بحبس الصادق أكدت أنها مهما أطلقت من حريات إلا أنها في ساعة ما سوف تطوي كل ما أطلقته فإذا ما حبست شخصية في حجم الصادق فلم يعد هناك كبير على سجونها.
المحللون السياسيون الذين عاطفتهم مع الإنقاذ ومع الحوار يرون أن حبس الصادق سيقوي الحوار الوطني القادم لأن الصادق كاد أن يفقد بريقه كمحاور للحكومة لقربه منها وأنه أضحى لا يمثل المعارضة فبعد الحبس ارتاح على زعامة المعارضة وسوف يصب ذلك في مصلحة الحوار المرتقب لأنه سيكون هذه المرة بين الحكومة والمعارض القوي الذي جعل الترابي وابوعيسى وغازي ومبارك الفاضل في مرتبة تالية له، أما المحللون السياسيون الذين عاطفتهم ضد الحكومة فإنهم يرون في حبس الصادق مسرحية مكررة وأن الحبس لا يعدو أن يكون تنفيذا لخطة متفق عليها بين الصادق والحكومة وهؤلاء أصبحت معارضتهم للصادق أكثر من معارضتهم للإنقاذ ذات نفسيها.
الدكتور إبراهيم الأمين، الأمين العام السابق لحزب الأمة وآخر المختلفين معه من أقطاب حزبه قال إن بعض قادة حزب الأمة كانوا يعلمون بحيس الصادق قبل أن يتم تنفيذه بينما أخبار مؤكدة تقول إن أقطابا كبارا في الإنقاذ فوجئوا بحبس الصادق وإن هذا الأمر لم يرق لهم.
أها ياجماعة الخير بعد كل هذا هل يستطيع أجعص محلل سياسي أو حتى استخباري أن يدرك مآلات حبس الصادق وأثر ذلك على الحكومة وعلى المعارضة ناهيك على مجمل الأوضاع في السودان؟ هل يستطيع أحد أن يقول لنا إن حبس الصادق خطط له كذا ليفضي الى كذا وفي حالة تدخل كذا سوف يحدث كذا؟ أما إذا قرأنا حبس الصادق مع الأحداث التي تزامنت معه فسوف نصاب بدوار يجعلنا نتحسس رؤوسنا ونغني مع مغني الحقيبة (نحن هل جنينا أم عقولنا نصاح؟).
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]