جمال علي حسن

عودوا بنا إذن لمربع الرقابة القبلية


[JUSTIFY]
عودوا بنا إذن لمربع الرقابة القبلية

ككاتب رأي، أشعر الآن بأن حرية الصحافة قد تراجعت كثيراً في الأيام الماضية عن ما كانت عليه في السابق بسبب قرارات حظر النشر .

كيف سنناقش مثلا إعلان حزب الأمة القومي وحركة الإصلاح الآن أول أمس تشكيل جبهة وطنية للدفاع عن الحقوق العامة وهو موضوع سياسي يجب مناقشته وتقديم قراءات متنوعة حوله لفائدة الجميع؟، ولكن كيف نقوم بعملنا التحليلي حوله إذا كنا ممنوعين من تناول أهم الأسباب التي دفعتهم لإعلان هذا الاتفاق وهو اعتقال الصادق المهدي.. أو حبسه بغرض التحقيق في قضية بواسطة نيابة أمن الدولة.. فإعلان الاتفاق بين الحزبين متاح لنا مناقشته وليس محظوراً لكن عناصر تحليله ونقاشه مرتبطة بقضية ممنوع مناقشتها بأمر النيابة..!!

كيف سنناقش كمنابر رأي عام قضية حرية الصحافة ونقدم تحليلات مفيدة في إطار بناء وتطوير الإلمام العام بهذا الملف بما يحقق وعياً منصفاً يثبت الحقائق وينفي الشائعات؟.. كيف يحدث هذا العصف الذهني والنقاش إذا كانت أهم وأبرز قضية ماثلة أمامنا وهي قضية صحيفة الصيحة ليس متاحاً مناقشة ملفها بسبب قرار حظر النشر؟ ..

كيف سنناقش كمنابر رأي عام قضية الفساد بشكل موضوعي وتقديم تقارير مدعمة بالمعلومات والحقائق للتمييز بين الاتهامات الحقيقية والاتهامات غير الحقيقية للدولة ومؤسساتها بأنها تقوم بتحجيم حرية الصحفيين للعمل على كشف بؤر الفساد؟ كيف سنناقش مثل هذه القضايا إذا كانت أبرز قضية شغلت الرأي العام في الأيام الماضية وهي قضية مكتب والي الخرطوم ليس متاحاً بالنسبة لنا الخوض فيها أو حتى تناولها بأي مستوى من النقاش بسبب قرار حظر النشر الصادر من النيابة..؟.

يمكنني أن أقول الآن إن مساحة الحرية في ما يخص التحقيقات الصحفية في قضايا الفساد كانت أكبر في ظل الرقابة الأمنية القبلية سابقاً بالمقارنة مع المساحة المتوفرة الآن في ظل إشهار النيابة لسيف حظر النشر القانوني..

والشواهد على ذلك كثيرة وشخصياً كنت قد نشرت قبل عدة أعوام مستندات خطيرة حول تجاوزات بديوان الزكاة وقناة الضحى.. ولم يكن الرقيب الأمني قد اعترض على نشرها بل وعلى العكس تماماً كان تعليق أحد ضباط الرقابة (مبروك دا شغل الصحافة الدايرينو)..

وفي قضية أخرى حول فساد وتزوير ألقاب علمية في الكليات التقنية أرسل لنا أحد الوزراء المعنيين بالقضية يطلب بشكل (ودِّي) التعاون معه بتزويده بالمستندات التي بطرفنا بغرض إكمال التحقيق الداخلي حولها مع الأطراف التي حامت حولها شبهات الاشتراك في هذا الفساد، وكنت قد اعتذرت له عن تسليمه بعض المستندات التي بها معلومات مكتوبة بخط يد المصدر الذي زودني بالمستندات فقال لي أعد كتابتها أنت فأنا غير معني بالمصدر ولن أبحث عنه لكنني فقط معني بخيط الفساد الذي تكشفه هذه المستندات ..

هل نطالبكم بأن تعيدونا إلى مربع الرقابة القبلية فهو أرحم مما نحن فيه الآن..؟

قضايا الحوار الوطني القائم الآن والذي نؤمن به وندعمه لن تمضي مسارات تطورها الإيجابي بالسلاسة والثقة المطلوبة في ظل إنعاش بعض المؤسسات العدلية المحترمة لبدائل رقابية أقسى وأصعب على الصحافة من مرحلة الرقيب القبلي نفسها.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي