فاتحة على الوطن
ربما هي أول صحفيّة سودانية تزور (رام الله) بالمطلق، لكن المؤكد أنها أول من فعلت ذلك في ظل المتغيرات السياسية التي تنتظم الدول العربية، وها هي الزميلة (هيام تاج السر) لا تغل قلمها عن أعناق صحيفتنا فتبسط لنا كما بسطت لصحيفتها (حكايات) وصحف أخرى، حلقة توثيقية عن ضريح (محمود درويش)، إنها (مادة صحفية) تجعلك تُحدّق بلا عين وترقص بلا ساق، كما قال شاعرنا الفيتوري.
لست بصدد كيل المديح لـ (هيام) لهذا الجهد الكبير، ولكنني بصدد أن ألفت الانتباه إلى أن تبادل (المواد) الصحفية بين الصحف المختلفة فيه إثراء للتجربة، ونحن إذ نستضيف (هيام)، نستضيف (حكايات) كلها، من صديقنا وأستاذنا (وجدي الكردي) إلى (أصغر متدرب)، بين يديه الحاذقتين والماهرتين.
بالنسبة لي، للأمر مذاق آخر، مذاق الشعر (الدرويشي) يمنحني قوة وصلابة، لأنه يمنحني جرعات من الحب تجعلني أمضي في دروبِ الحياة الوعرة أصعد تضاريسها وأهبط سفوحها وتتلاحق أنفاسي وأحن إلى كل العابرين في الطريق العابر وإلى حصان ضاع في درب المطار، وشعر درويش ينبت في كما ينبت العشب بين مفاصل صخرةْ.
لذلك حين وصلتني مادة (هيام) التوثيقية لزيارتها ضريح درويش، شعرت وكأن سماء الخرطوم الخاليّة من غيوم تبشرنا بحقولٍ جديدة، تؤلف نجماً أو فقرة حب نغنيها لأطفالنا أو لعيني ذاك الراقد تحت الضريح، كما غنى لنا “لماذا نسائل هذا الطريق/ لأي مصير يسير بنا؟ ومن أين لملم أقدامنا؟ فحسبي، وحسبك أنا نسير معاً، للأبد/ لماذا نفتش عن أُغنيات البكاء بديوان شعر قديم؟ ونسأل: يا حبنا هل تدوم؟”.
وها نحن في حضرة (ضريح) الشاعر الفذ نسأل من بيدهم الأمر (أهل الحل والعقد) من ساسة وقادة هذه البلاد، إلى أي مصير يسيرون بنا؟ إلى أي قارعة وجحيم يسيرون بهذي البلاد؟ ثم نغلق قوسنا على الأسئلة، ونرفع أيدينا بالفاتحة على روح محمود درويش، ونرفع قبعاتنا تحية لهيام تاج السر.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي