أعمال الخير القادمة
رمضان على الأبواب، المدارس على النوافذ، العِيدان يتربصان، والفقر يمسك بخناق المواطنين، يكاد يخرج أرواحهم من مناخيرهم. وأتذكر حين يتقرب رمضان، أنه قيل لأعرابي: “رمضان على الأبواب، فقال: لأبددنه بالأسفار”، والآن لا أحد يستطيع (السفر) بين شروني وكركر، لأن الرجال لم تعد لديهم (مواقف مبدئية).
لكن أحدهم وضع سبابته اليمنى على باطن كفه الأيسر، ونقطة نظامه هي أن الرجال لم تعد لديهم أخلاق، وقال: كلما يقترب رمضان تنمو وتنهض مئات الجمعيات الخيّرية، وكلما تقترب المدارس مئات مثلها، وكلما يقترب العيد أيضاً.
الجمعيات الخيرية هذه، تعمل على هذا النحو: تشتري (15) حقيبة مدرسية، توزعها على عينة منتقاة من تلاميذ الأحياء الفقيرة (الطرفية)، لتلقط صوراً كثيرة لمنشطها هذا، وتكتب خبراً مرفقاً بالصور وتحوم به إلى الصحف كلها، وكل الصحف (بحسن نية) تنشر (عمل الخير) هذا، ثم تجمع (إدارة الجمعية) خير الصحف هذا، وتحوم به إلى رجال الأعمال، الشركات، البنوك، الوزارات، وربما المغتربين، تطلب دعماً حتى لا ينقطع عمل الخير هذا، ثم، وبعد أن تكنز الأموال، لا توزع ولا حقيبة واحدة. وهذا يحدث في إطعام الصائمين، ومسح أحزان المحرومين والمشردين، وذوي الحاجات والإعاقات والأيتام، كل هذه الحالات الإنسانية تعرض الآن في سوق خيرية ضخمة.
سكت محدثي، فقررت أن أكتب: إلى الصحف أن انتبهي، ستنهال عليك من اليوم وإلى وقفة عيد الأضحى، أخبار الجمعيات الخيرية ورجال البر والإحسان، وإلى الفقراء والمحتاجين (أكلوا توركم)، وارفضوا رفضاً باتاً أن تكونوا موضوعاً للدعاية، وإلى الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم عمل هذه الجمعيات، أن تأسس آلية للرقابة والمتابعة والملاحقة للعابثين والمتاجرين بالحالات الإنسانية.
بالطبع، ليست كل هذه الجمعيات بؤر للصوص، ولكن كثيراً منها خاصة غير المسجلة تستغل طيبة السوداني وحبه لعمل الخير، وتستغل عاطفته ولا مبالاته وحسن ظنه، فتنفذ إلى تخريب عظيم، تخريب في الأخلاق والقيم المجتمعية والإنسانية، لذلك علينا في الصحف أن نقاطع هذه الجمعيات، وعليها إن كانت حقيقية أن تنفق بيمينها ما لا تعلم شمالها، وأن تلتزم الحد الأدني من الأسلوب المتبع في العمل الطوعي والخيري بأن لا تعلن عن ما تقدمه.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي