جمال علي حسن

أطلقوا المعلومات.. تختفي الشائعات


[JUSTIFY]
أطلقوا المعلومات.. تختفي الشائعات

الشرطة توعدت مروجي الشائعات بالملاحقة.. تلك طريقة بدائية ومكلفة ومرهقة، والله، وقد لا تحقق نتائجها، بل قد ترمي الشرطة بشباكها في بحر الأخبار الواسع جداً في السودان – بشقيه التقليدي القديم والواتسابي الحديث – للقبض على مروجي الشائعات فتفاجأ أن حصيلة شباكها كانت مجموعات كبيرة من معتادي (الونسة) ومحترفي (الكضب) والحكي والذين يكسرون رتابة مجالس الأنس وأماسي الأصدقاء.
طالعت تصريحاً للناطق الرسمي باسم الشرطة اللواء السر، وهو رجل محبوب وصديق للصحافيين لكنني أتحفظ على الطريقة التي تتعامل أو تنوي الشرطة أن تتعامل بها مع الكم الهائل من الشائعات التي تزايدت نسبة إنتاجها في الأسابيع الماضية.
ملاحقة الأخبار المتداولة للكشف عن مصادرها بواسطة وحدة جرائم المعلوماتية ليست هي الوسيلة الناجعة في مكافحة الشائعات، والواقع يقول إنه لا سبيل لمكافحة الشائعات إلا ببث وضخ الحقائق وتمليكها للجمهور.
هذا هو السلاح الذي يجب أن تستخدمه الحكومة؛ سلاح الحقائق.. ومتى ما غابت الحقيقة فإن ألف شائعة ستكون جاهزة لملء مكانها الفارغ.. فراغ مقاعد الحقائق يملأ بص الأخبار بركَّاب غير حقيقيين.. كما أن غياب الأوكسجين يؤدي للاختناق في عالم يتنفس عبر رئة الاتصالات والتواصل الاجتماعي .
أكثر من ألف وستمائة شبكة للتواصل الإلكتروني في الدنيا الآن وليس فيسبوك وتويتر وانستغرام إلا قطرة في بحر لا نهاية له.
الشائعة يا سعادة اللواء يمكن أن تأتيك عابرة للحدود حيث لا رادار ولا حرس حدود ولا جيش يمكنه توقيفها، هي شائعة إسفيرية تأتي وتنتقل في ثوان معدودات إلى كل أنحاء الدنيا.
الشيء الملاحظ أن الحسابات الرسمية الإلكترونية لوزارة الداخلية السودانية والأجهزة السيادية والوزارات الحكومية في مواقع التواصل الاجتماعي ليست بالتأهيل وكفاءة التحديث المطلوبة..
في عالمنا اليوم حساب وزارة الداخلية على التويتر والفيسبوك بجانب الموقع الإلكتروني للوزارة يجب أن تكون هذه الحسابات الإلكترونية هي الصفحات الرسمية التي تمثل المصدر المعتمد للأخبار والمعلومات بحيث لا تترك تحديثاتها المستمرة فرصة لنشر وبث شائعات تتمكن من الانتشار بسرعة أكبر من انتشار النار في الهشيم .
العالم تخطى مرحلة محاربة الشائعات عبر الجرائم الإلكترونية وأغلقوا هذا الباب نهائياً ولم تعد وحدة الجرائم الإلكترونية تهتم بملاحقة الشائعات بل تفرغت لمهام أخرى مثل الكشف عن مصادر بث مواد ومعلومات كاذبة ومؤذية للمجتمع أو خادشة للحياء أو أكاذيب تضر بسمعة أشخاص عاديين باتهامات جنائية وأخلاقية ..
أما الأخبار والمعلومات فهي متوفرة لحظة بلحظة و(على قفا من يشيل) ..
الشائعات في عالم اليوم لم تعد سلاحاً فعالا ًومؤثراً إلا في السودان.. أطلقوا المعلومات لتختفي الشائعات.. تعلموا كيف تديرون المعلومة وكيف توقفون انتشار الشائعة عبر نفس الوسائل التي تحمل تلك الشائعة لأنها هي الوسائل الأكثر فعالية وقدرة على تحقيق الانتشار.
تحرروا من بيروقراطية الأدوات الإعلامية التقليدية وتحرروا من الاستماع للجهلة الذين ينصحونكم بحظر وسائل التواصل، بل زيدوا التفاعل مع هذه الوسائل ونافسوا فيها بحضوركم الإيجابي وحضور معلوماتكم..
وببساطة شديدة: أطلقوا المعلومة تختفي الشائعة.

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي