عبد الجليل سليمان

فراغات المدن وميدان الرميلة


[JUSTIFY]
فراغات المدن وميدان الرميلة

لا أعرف، ولا أريد أن أعرف أسباب النزاع بين على ميدان كرة قدم عريق وقديم بحي الرميلة، ولا أريد أيضاً أن أعرف الطرف الثاني من النزاع، لأن الطرف الأول (المواطن) هو المتضرر بكل المقاييس.
لذلك فعلى الطرف الثاني، شخصاً كان أم مؤسسة أن يتنازل حتى لو كان يملك حقاً قانونياً في الميدان، لأن الجماعة مُقدمة على الفرد في كل الأعراف والأديان والقوانين، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الشخصية كذلك.
تلك ناحية أخلاقية متفق عليها في كل القوانين والأعراف والأديان. أما من الناحية المتصلة بتخطيط المدن، فإن الرضيع قبل أن يبلغ الفطام يفهم ضرورة وحيوية وجود ساحات وميادين كثيرة داخل الأحياء، ولا يحتاج الأمر إلى حيثيات وإثباتات كثيرة، لكن دعونا نحيل الجهة التي تنازع أهلنا في الرميلة ميدانهم إلى علماء وخبراء تخطيط المدن العظام، حيث صدرت في هذا الصدد آلاف المراجع والكتب والرسومات الهندسية وهي متاحة ومتوفرة بنقرة ماوس، ولعل كتاب (الأماكن العامة فراغات المدن) للمهندسين الكبيرين (د. كلير كوبر ماركس ود. كارولين فرانسيس) من قسم الهندسة المعمارية جامعة كاليفورنيا بيركلي، خير معين لنا وللجهات التي لا تفتر عزيمتها ولا يشفى سعارها في (التهام ميادين الأحياء).
يقول هؤلاء الخبراء المعماريون: “إنه إن لم توجد ميادين وساحات عامة وفراغات داخل الأحياء السكنية، فعلى السلطان من فورها ودونما تأخير أو تلكؤ أو تباطؤ أن تنشئها حتى ولو نزعت أراضي سكنية، لأن الحدائق والمنتزهات العامة من أساسيات تخطيط المدن والقرى، فهي تمثل أماكن للنزهة وقضاء أيام الراحة والإجازة للسكان والترفيه وممارسة بعض الألعاب الرياضية مثل المشي والجري وأماكن للعب الأطفال ومناطق للجلوس والاستراحات وغيرها من وسائل الترفيه، إضافة إلى أنها تحافظ على البيئة وتضخ المزيد من الأوكسجين إلى الأحياء”.
فإذا كانت السلطات المحلية لا تستوعب ذلك، رغم أنني أتوسم فيها خيراً يكتنفه (خبث)، إذ انها تفهم لكنها لا تريد، لذلك يصبح من (سقط المتاع) أن نحدثها عن كيف تخطط فراغات المدن، وعن فوائدها الصحية والبيئة، وعن الأشكال الهندسية لتلك الفراغات مثل (التناظر الثنائي، التناظر المضاعف، التناظر الدائري أو البيضاوي، التناظر الشعاعي، التصميم الطبيعي، التصميم المزدوج، التصميم الحديث أو الحر)، فيدور رأسها وتسقط مغشياً عليها و(نرتاح منها).
أيها السماسرة، أيتها السلطات، كفوا عن تلك الميادين، وابحثوا عن أراض أخرى في بلد مساحته ملايين الكيلو مترات، دعوا أهل هذه الأحياء ينعمون بميدان ترابي صغير المساحة، لا تحرموا أطفالهم من ممارسة كرة القدم، دعوهم يصلون العيد في الفضاء الطلق كما اعتادوا منذ أن خلقهم الله على ظهر هذه الأرض.
ما الذي حدث لكم يا ترى؟ أي شيطان حل في رأسكم وانسرب إلى وجدانكم فصرتم لا ترون إلا ما يراه الرجيم!!

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي