مؤتمر الإعلام … نقطة تحول!
أكتب عمودي هذا من داخل الورشة الأولى والتي تأتي تدشينا للمؤتمر القومي الثاني للإعلام وقبلها كنت في ندوة حول معادلة “الحرية والمسؤولية” استضافها المؤتمر الوطني وتحدث فيها الأساتذة معاوية أبو قرون وفيصل محمد صالح وضياء الدين بلال.. ومثل فيها الحزب والحكومة تمثيلا رصينا ومحترما الوزير الشاب ياسر يوسف.
قدم ياسر يوسف مرافعة قوية عن إجراءات الدولة وقدم الأستاذ فيصل محمد صالح نقدا موضوعيا معززا بالمواثيق الدولية وقدم معاوية أبو قرون إطارا قانونيا مهنيا وقدم ضياء الدين حديثا قمة في الواقعية لا يحلق ولكنه يحدق في المشهد السياسي وتفاصيله كما تراها العين المجردة.
اختصرت حديثي وخففته بل نصحت الحضور بأن يؤجلوا أي حديث قاسٍ أو حماسي في الندوة وفي كل فعاليات المؤتمر.
الحماسة عندنا في السودان تقود للحماسة.. ولا يوجد متحدث سوداني يرضى بأن يكون نديده أشجع منه أو أصرح منه.. هذه مسألة راسخة في جيناتنا الوراثية كسودانيين.
حتى نتوصل إلى تشخيص سليم ووصفة علاج سليمة يجب أن نكون موضوعيين لأقصى الحدود.. ويجب أن نبعد تماما عن “المزايدات” أو “تسييس النقاش”.
أن يشهد السودان مؤتمرا لقضايا الإعلام من 9 إلى 25 يونيو فهذه وحده حسنة كبيرة تعزز الثقة في أنفسنا أن الدولة بدأت تتحمل مسؤوليتها كاملة لإصلاح الإعلام ولتصحيح مساره.
لو كانت لدي مساهمة في هذا المؤتمر فهي نصيحة واحدة للحكومة:
نحن نحترم الحكومة كلما رأيناها تقدم على تحمل مسؤولياتها كاملة غير منقوصة ولذلك يجب ألا تتنصل منها بذريعة أن المشكلة في الصحفيين وفي مهنيتهم وضعف مستواهم ولذلك الإجراءات الاستثنائية مبررة.
قد تؤسس الحكومة البنية القانونية المتماسكة لتبرير هذه الإجراءات وتحصينها من الطعن.. بل قد تتفق معها الأحزاب التي تنادي بنقيض هذا.
لدينا تجربة من قبل مع “الحركة الشعبية” التي “لعلعت” بالحريات ثم اتخذت قرارها وفقا لمصالحها الحزبية الخاصة بها.
لكن لو انتصرت الحكومة قانونيا وسياسيا وتآمرت معها الأحزاب فإن القضية الأساسية وهي “صورة السودان” لن يحدث فيها أي تحسن ولذلك لا جدوى من الانتصارات الداخلية المحلية على الصحف والصحفيين.
هب أن مستوى الطب في السودان تدهور.. هل نحمل المسؤولية لآحاد الأطباء أم أننا نحمل المسؤولية للدولة ووزارة الصحة والمجلس الطبي ومجلس التخصصات الطبية جزءا كبيرا من المسؤولية.
لو تدهور مستوى المعمار والبناء في السودان هل سيكون عذر الدولة أن المهندسين السودانيين سيئون.. لو حدث أي تدهور في أي مجال فإن المسؤولية الأولى على الدولة.. وعلى ذلك قس.
نعم صحيح نحن نحمل المجتمع الصحفي جزءا من المسؤولية ولكن الدولة مسؤولة عن تفعيل وتطوير الأجسام والسياسات التي تنظم المجتمع الصحفي وتعينه على تحمل المسؤولية.
عندما.. تتحدث الدولة إفصاحا أو تلميحا.. لا حرية بدون مسؤولية ثم تدعو الجميع إلى اتهام الصحفيين وإدانتهم وتبرئة الدولة وتبرير إجراءاتها في مواجهتهم فإنني أعتبر هذا أمرا لن يفضي إلا إلى متاهة جديدة وحلقة مفرغة.
لا بد أن يكون الحديث موضوعيا ومثمرا ولا بد للدولة أن تدخل للموضوعات بالمدخل السليم ويجب أن تقود الجدل لها وعليها.
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني