عبد الجليل سليمان

انخنست كثيراً يا غازي


[JUSTIFY]
انخنست كثيراً يا غازي

في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جُنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: “سبحان الله إن المسلم لا ينجس”، قال ابن حجر: “وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وجوبه”.

وانخنس، إذا ما أدخلناها محراب (القاموس) نجد عندها رزقاً كثيراً، فهي بمعنى رجع وتأخر، وخنس الرجل إذ انحفضت أرنبة أنفه، والليالي الخُنس هي الثلاث ليالي الأخيرة من الشهر التي لا يظهر فيها القمر.

وأيٌّ من هذه المعاني يريدها (غازي صلاح الدين) فليأخذها، فكلها تليق براهنه، لكننا سنهدي غازياً انخنس التي بمعنى (تأخر)، ونأمل أن يقبل هديتنا المتواضعة هذه.

وغازي مُنافحاً شرساً وعراباً مُتقدماً لكل ما يحدث الآن، وبذلك فإن له من وزره أوزارا ومن شره شرورا، بحيث بدا انتقاده لحزبه السابق مُنخنساً جداً، وبالتالي فقير المعنى وعديم الجدوى.

شخصياً كنت آمل أن من غازي ورهطه من (خوارج) الحزب الحاكم، أن يلتئموا قبيل إعلان أنفسهم حزباً – يبدو كـ (تمومة جرتق)، في مسرحية من فصل واحد، فيستدعون لإنجازها رجلاً مثل (دلير يوسف)، إنها مسرحية (جلسة الاعتراف الأخيرة ) عن نص قصيدة بعنوان جلسات تعذيب للشاعر نزيه أبو عفش.

فيأتي غازي إلى بقعة الضوء وسط المسرح، يصيخ السمع إلى شبح صوت يأتي من ظلمة ركن المسرح (اليماني)، ولنفترض مثلاً أنه صوت (حسن رزق)، ولنجعله يرتفع أكثر، ثم نستمع إليه وهو يصرخ: “ما الذي تنتظره في بريد الليلة يا سيدي؟ قديّسين على الورق؟ سلحفاة مقلوبة على ظهرها؟ قيامة الموتى؟ سيدي أنت لست ماسونياً كما كان يظن البعض، وبالتأكيد فأنت لست يسارياً دارجاً، ولست شيعياً، والآن أنت لست سنياً كما كنا نتوهم. إذن من أنت سيدي؟”.

ينسحب الشبح الصوتي المفترض لـ (حسن رزق) مثلاً، ثم يظهر في بقعة الضوء الزميل (محمد الخاتم)، وهو يحاور غازي، وغازي يقول: “يبدو أننا كلما اقتربنا من لحظة الوفاء بمستحقات الحوار الوطني لما استعظمت الحكومة ثمن الوفاء” “ونحن لا نتبين حتى الآن مبررات التفاؤل”، “لا يتوقف سقفنا عند مجرد الاعتراض ويمكن أن يتطور إلى المطالبة برحيل الحكومة”.

الآن وبعد أن استعصى الحال على الإصلاح، يأتي غازي بحزب للإصلاح، حزب لا هو إسلاموي، ولا ليبرالي، ولا يمين ولا يسار، ولا وسط، حزب قديسين إلا على الورق، حزب كأنه فرط بطئه سلحفاة مقلوبة على ظهرها، حزب يأتي مثل قيامة الموتى (ولاّ حلال ولاّ بلال ولاّ الجنة ولاّ النار).

هل تريد إصلاحاً يا غازي؟ لقد انخنست كثيراً يا سيدي؟

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي