حملة انتقام..!
-1-
بدعوة كريمة من الأخ العزيز مجدي عبد العزيز، مسؤول الصحافة بالمؤتمر الوطني، شاركتُ ضمن زملاء أفاضل، في ندوة اختير لها عنوان: (الحريات الصحفية، وحدود المسؤولية).
(لديَّ حساسية من هذا العنوان).
سأذكر مصدرها لاحقاً.
المهم أن موضوع الندوة ذو صلة زمانية بالأحداث الأخيرة، المرتبطة بالإجراءات التي واجهت الصحف.
أخطرها إيقاف الزميلة (الصيحة)، إلى التوسع في قرارات حظر النشر، واستدعاءات المثول الجماعي أمام نيابة أمن الدولة.
الادعاء العريض، أن كل ذلك يتم وفق منطوق نصوص القانون.
تطبيق القانون بتلك الطريقة، يأتي على نسق مقولة الممثل المصري مصطفى شعبان (كلو بما يرضي الله)، في مسلسل (الزوجة الرابعة).
-2-
شارك في الندوة الأستاذ/ معاوية أبو قرون، في جانب التشريعات الإعلامية، والأستاذ/ فيصل محمد صالح ككاتب صحفي، وواحد من المهتمين بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، وتحدث وزير الدولة للإعلام الأستاذ/ ياسر يوسف، معبراً عن وجهة نظر الحكومة في قضية الحرية والمسؤولية.
منذ البداية، أعربت عن ريبتي تجاه العنوان (الحريات الصحفية وحدود المسؤولية).
ريبة ليست مقتصرة على الندوة، بل هي ممتدة لكل المناسبات، التي توضع فيها الحرية في مقابل المسؤولية.
المقابلة توحي بالتعارض، وهي عادة تستخدم لتبرير الإجراءات العقابية.
(الصحف تجاوزت حدود المسؤولية، لذلك استحقت العقاب).
-3-
كل عمل يستوجب شعوراً بالمسؤولية في أدائه: الطبيب له كامل الحرية في عمله في إطار التزامه بالمسؤولية، وكذلك المهندس، وأي صاحب مهنة مسؤول عن ما يعمل.
وضع الحرية في مقابل المسؤولية، في العمل الصحفي، تمييز له مترتبات تبريرية.
الذين يتحدثون عن الحرية الإعلامية، البعض منهم يريدونها حرية مطلقة بلا حدود، ولا سقف، على ركائز الثورة الفرنسية.
(لا تجريم على الأقوال. قل بلسانك وقلمك ما تشاء، العقاب يتم على الأفعال).
أما الذين يتحدثون عن المسؤولية، يريدونها قيوداً متحركةً، تستخدم عند اللزوم، ووفق مقتضى الضرورة، التي يقدرونها حسب مصالحهم ومخاوفهم.
المسؤولية قواعد مهنية وأخلاقية وقانونية ملازمة، لممارسة حرية الصحافة، وليست شيئاً منفصلاً عنها.
لكل مهنة قواعدها المهنية والقانونية والأخلاقية، التي تحدد إطار ومحددات المسؤولية في الممارسة.
-4-
قلت لوزير الدولة بالإعلام، الأخ المستنير ياسر يوسف، إن اعتبار ما يحدث من إجراءات ضد الصحف والصحفيين أمراً قانونياً وطبيعياً؛ يقدح في صدقية وجدية مشروع الإصلاح الوطني.
في دول كثيرة، تعتبر القوانين وتطبيقاتها مظهراً من مظاهر الأزمة، إذ تصبح القوانين مكرسة للظلم لا محققة للعدالة.
يمكن الأخذ والرد، إذا اعتبرت الإجراءات ذات طبيعة استثنائية، متعلقة بظروف طارئة، وليست هي المثال والنموذج، في التعامل مع الصحافة، في ما بعد نداء الوثبة.
-5-
في مرات كثيرة، كان يمكن تبرير الإجراءات الاستثنائية، بحجة المساس بالأمن الوطني، أو أي دعاوى ذات صلة بالأمن والاقتصاد والمجتمع.
نعترف أنه في فترات محددة حدثت تجاوزات كبيرة من بعض الصحف، أوجدت تبريرات لطريقة التعامل معها.
لكن…
المؤسف جداً، أن القرارات الأخيرة، جاءت وكأنها حملة انتقامية ضد الصحف، لمصلحة أفراد تضرروا من ما نشر عنهم، فاستخدموا ما في أيديهم من نصوص لمعاقبة منتقديهم، عبر الإجراءات (أمشي وتعال).
-6-
فكرتي الأساسية التي ركزت عليها في الندوة، أن ما يحدث في مجال الصحافة، يشبه الظرف السياسي الذي نعيشه، وهو ظرف انتقالي يحمل خصائص الحرية والشمولية.
(لا هو ديمقراطي ولا شمولي هو هجين من الاثنين).
لا يمكن تحول الحريات الصحفية من منح إلى حقوق، إلا بعد أن ينجز مشروع الحوار الوطني واقعاً سياسياً جديداً.
واقع جديد تنتفي فيه مبررات الإجراءات الاستثنائية، وتصاغ فيه قوانين تحفظ حقوق الجميع، وتحمي المجتمع من الاختلال والاضطراب.
أخيراً:
(يميل المرء لتصديق ما يفضل أن يكون صحيحاً).
فيلسوف إنجليزي.
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني