بين أحضان المجنونة ..!
أرجو ألاّ يذهب بك خيالك بعيداً، وتظن بصاحبك الظنون، فـ «المجنونة» التي نقصدها هنا هي «كرة القدم» التي توصف بالجنون لأنها لا تستقر على حال، ولا تبقى عند مقام أو قدم، وهي غير مضمونة النتائج، إذ ترى الفريق القوي المؤهل يخرج من منافسة ما بسبب خطأ أو «غلطة» من أحد لاعبيه الكبار.. و«غلطة الشاطر» في كرة القدم.. بهدف.
الدورة الجنونية تتصاعد طوال العام، لكن ذروتها تكون كل أربع سنوات بما يسميه مهووسو اللعبة المجنونة الجاذبة بكأس العالم لكرة القدم. وقد بدأت بالأمس دورة جديدة هي النسخة العشرون من هذه البطولة، التي بدأت أول ما بدأت عام 1930م ولم تتوقف منها سوى بطولتين في عامي 1942م و1946م بسبب الحرب العالمية الثانية.
شبابنا ليسوا بدعاً بين شباب العالم، لذلك نراهم ومنذ الأمس يتحركون زرافات ووحدانا، نحو أندية المشاهدة المجانية أو ذات الدفع الآني، أو نحو بيوت بعضهم ممن تيسّر له أن يقتني «الكرت» الذي يتيح لمالكه أن يشاهد المباراة من «قولة تيت» إلى «قولة تيت»!
وكرة القدم رياضة نعم.. وتفرغ طاقات الشباب ليس في ذلك شك، لكنها تحزّب رياضي تشغل به «حكومة العالم الخفية» شباب العالم وكباره وأطفاله، بعد أن تكون قد أتقنت ما يمكن أن نسمّيه بـ «صناعة النجوم»، مثلما تفعل في عالم السينما أو مسارح الغناء، فيصبح «النجم» قدوة يقتدي ويهتدي بها محبوه ومعجبوه، في المظهر والسلوك العام.
كرة القدم مجنونة، لكنها جاذبة وتصرف الكثيرين بل تلهيهم عن واجبات أهم، لكننا لن نستطيع أن نسدّ السموات التي تمطر علينا جديداً فضائياً كل يوم، وتعمل على تشكيل إنسان العولمة، الذي يدين بشرائع وقوانين وقيم الأمم المتحدة، وإن حاولنا أن نقول بغير ذلك أو حاول غيرنا ذلك هوجم ونعت بأبشع النعوت وأخفها أنه متشدد وغير متحضر إذ أن العالم كله يسير في اتجاه وهو في اتجاه مخالف.
وما عادت كرة القدم لعبة شعبية فحسب بل تعدّت ذلك إلى أنها أصبحت هواية الملوك والأمراء والساسة في كل أرجاء العالم، وإذا نظرت حولك ستجد أن النادي الفلاني يملكه أو يرعاه سياسي كبير، أو يرأس مجلس إدارته أمير.. وهكذا.
الأمر تعدى ذلك إلى مشاركة أفراد العائلات المالكة والحاكمة في ذات اللعبة، وقد احترف مؤخراً أحد أمراء المملكة العربية السعودية الشقيقة، في صفوف نادٍ «سالزيوري سيتي» الإنجليزي، ليصبح الأمير خالد بن بندر آل سعود ـ 19 عاماً ـ أول لاعب كرة قدم محترف من الأسر العربية الحاكمة والمالكة.
كرة القدم رياضة، ومثلها السباحة والرماية وركوب الخيل، تفيدنا إن لم نخرجها عن كونها «رياضة» وتنافس شريف، بعيداً عن الضرب «تحت الحزام» مثلما في أنواع الرياضة العنيفة.
أذكر أن صديقنا المهاجر السيد حافظ بشرى عثمان، سئل عن الرياضة التي يمارسها، فضحك وقال: «كونكان أربعتاشر»!
دعاء:
«اللهم اجعل لنا من كل خير نصيباً، وإلى كل خير سبيلاً برحمتك يا أرحم الراحمين.. آمين»
.. و.. جمعة مباركة
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]