حزب الأمة مع إحدى بطاقات عرمان
التعاون بين اللافتة السياسية واللافتة المسلحة في السودان أو المحاولات البراغماتية المتكررة لخلق نوع من التكامل في الأدوار بين تيارات المعارضة المختلفة، ليست حالة جديدة بل كانت مشهودة في التحالف التكتيكي الذي حدث بين التجمع الوطني الديموقراطي برئاسة الميرغني وبين الحركة الشعبية بقيادة قرنق قبل نيفاشا، ولم تكن أجندات هاتين اللافتتين تلتقي إلا على موضوع إسقاط النظام فقط، أما تصورات إقامة النظام الجديد الذي يليه فقد كانت مختلفة تماماً؛ حيث أن الميرغني والمهدي بالنسبة لقرنق لا يختلفان كثيراً عن الترابي والبشير ولا فرق بينهم إطلاقاً في تصورات مشروع السودان الجديد.
لكن ورغماً عن ذلك كانت تقديرات التجمع هي اختيار ذلك التحالف والصعود على ظهر الحافلة المسلحة الخاصة بالحركة الشعبية برغم اختلاف المحطة المقصودة في الرحلة ولكن على الأقل كانت بالنسبة لهم بمثابة (تقديمة في المشوار) على رصيف مقطوع لا وسيلة لديهم أو إمكانية للسير فيه إلا بانتظار فرص (الأتوستوب).
وفعلا صعد التجمع زماناً على ظهر حافلة الحركة الشعبية حتى وصلت الحركة الشعبية إلى محطتها ونزل التجمع من الحافلة مضطراً بل وبعد قليل اكتشف بعض ركاب محطة الحركة الشعبية نفسها أمثال عرمان والحلو وعقار أن تذكرة رحلتهم هم أيضاً قد نفدت وعليهم مع جزيل الشكر أن يغادروا الحافلة..
عرمان في بداية الأمر كان أكثر المتضررين؛ فمشروع السودان الجديد انتهى بموت قرنق وسيطر على الحافلة ركاب محطة الانفصال فانقطع بعرمان السبيل.. أما الحلو فقد كانت لديه حافلة صغيرة يمكن أن (يترزق منها) هي قضية جبال النوبة.. وكذلك عقار عنده (نقاطة) يمكن أن تسعف حاله إذا جارت عليه الأيام وهي قضية (النيل الأزرق والإنقسنا)..
لكن الصديق الثالث عرمان كان في حيرة.. هل يفعل مثل ما فعلت تابيتا بطرس مثلا ً التي قدرت موقفها بحسابات بالغة الذكاء وكيَّفت لنفسها محطة جانبية متميِّزة وحطت عليها الرحال..؟
ولأن عرمان ظلت تحدثه نفسه وتحدثه علاقاته الخارجية بمقام أكبر وكان يعتقد في نفسه أنه ليس من النوع الذي ينسحب من مسابقة (من سيربح المليون) بأقل الجوائز وينخرط في الحياة السياسية السلمية عند تقاطع شارع ما بعد الانفصال.. اختار المواصلة بمخاطرة عالية جداً..
الذين يتحدثون الآن عن التحالف مع الحركات المسلحة بأي من مسمياتها يثبتون وبالتأكيد أنهم لا يقرأون حتى كتابهم وتاريخهم ولا يتعلمون شيئاً من التجربة..
عرمان الآن يا قيادات حزب الأمة القومي يمارس دوره في الساحة بثلاث فرص وثلاث لافتتات مختلفة..
إنه يرمي ثلاث بطاقات اشتراك في المسابقة السياسية: البطاقة الأولى هي بطاقة القائد في ميدان القتال، والبطاقة الثانية هي بطاقة قطاع الشمال حين يقود وفد التفاوض مع الحكومة بحثاً عن أفضل الأوضاع تحت الضغوط وحين يتحصل على الوضع الأنسب سيقود تحالفه (الثوري) لمسار المشاركة مع النظام..
ثم لا يكتفي بهاتين البطاقتين المتشابهتين فقط بل يرتدي في آخر الليل بدلته السياسية الكاملة وقميصه الوردي ويضع قلمه في جيبه ليجالس المثقفين والصحفيين والنخب السياسية حتى تنسى سارة نقد الله أن إعلان تحالفها وتحالف حزب الأمة مع قطاع الشمال يلقي عليهم بالتزامات تباعد بينهم وبين خيارات الإمام في محبسه.. وبين خيارات حزب الأمة المعلنة قبل وبعد الانخراط في الحوار..
جبهة التغيير الجديدة حتى ولو كانت ورقة مناورة وضغط على الحكومة لكن لها ثمنها والتزاماتها على حزب الأمة والآخرين.. أقلها أن حزب الأمة ومن معه سيكونون ملزمين بخيارات صاحب البطاقات الثلاث وأهمها البندقية.
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي