أفيون الشعوب
بالطبع ليس ذلك صحيحاً، فكرة القدم مُتعة الشعوب الحلال، وليست أفيونها، ونهائيات كأس العالم متعة تجعل الشراب يجف على حافتها. أما ما هو أفيون الشعوب الحقيقي فإن ما ينسب لـ (كارل ماركس) يسأل عنه شخصياً أو من ينوب عنه، وذلك كله بناء على قاعدة (ما لقيصر لقيصرٍ وما لله لله)، ولأن ذلك كذلك، فإنني انتهز هذه السانحة الممتازة التي جاءتني (مقنطرة) كما قال (الإمام الحبيب) قبيل إيداعه كوبر (بقليل).
ولأن ما لماركس لماركس، وما لي يعود إليَّ فأحمله على رقبتي يوم القيامة وأتحمل وزرة في الدنيا، فإنني سأهتبل فرصة سريان المونديال لأنفي وبشدة ما ذهب إليه البعض بقولهم في وسائل التواصل الاجتماعي (أن كرة القدم أفيون الشعوب)، وأُثبِّت مكان هذه العبارة قولي “إن السياسيين (بتاعين العالم التالت، والسودانيين منهم على وجه الخصوص) هم أفيون الشعوب الحقيقي، كما أُثبِّتْ هذا الخاتم على أصبعي”.
ومباراة أول أمس بين هولندا وإسبانيا علمتنا كيف يمكن أن نقهر المستحيل، كيف يمكن أن نحقق أحلامنا وطموحنا بالجد والمثابرة والإصرار والعمل (النظيف) والضمير الحي اليقظ، وأن لا مستحيل تحت الشمس ولا تحت الظلام، وأن كل شيء ممكن التحقق، حتى أن تنتصر على الماتدور الإسباني الحائز على كأس النسخة السابقة من المونديال بخمسة أهداف بعد أن كان متقدماً عليك بهدف.
كيف إذن تكون كرة القدم أفيون الشعوب، إنها مدرسة للشعوب، مدرسة تعلمك وأنت تنظر إلى حكم الوسط ومساعديه على الجانبين أسس العدل والانضباط والدقة والحسم، وتعلمك وأنت تنظر إلى كابينة المدربين كيف تخطط وتنفذ وتبدل خططك في الوقت المناسب إلى الأفضل، وكيف تقدر الواقع وتستشرف المستقبل، وتعلمك وأنت تنظر إلى الجمهور كيف يكون الولاء لأهل العطاء الحقيقيين لا الزائفين، فالجمهور هناك (يقلب عليك) ويشجع ضدك إذا ما تقاعست ولم تؤد جيداً ولم تبل حسناً، حتى ولو كان جمهورك.
أما إذا أردتم أن تعرفوا من هم أفيون الشعوب فاسمعوا تصريحات السياسيين، واحضروا ندواتهم، وانظروا إلى أعمالهم (المهببة)، ستشعرون بشيء ما يسري في أجسادكم شيء كالمخدر شيء يسري فيك فيجعلك تستدعي الجنوبي (أمل دُنقل)، حين يقول: “قرص المنوّم، أنبوبة المصل، كوب اللبن، كل هذا يشيع بقلبي الوهن كل هذا البياض يذكّرني بالكفنْ”.
هؤلاء الساسيون المتاحون هنا، هم أفيون الشعوب وهم من يشيعون ويبثون الوهن في مفاصل هذا الوطن.
ولأنهم أفيونكم، فهبوا سوياً لمكافحة المخدرات، لا تحضروا ندواتهم، لا تكترثوا لتصريحاتهم، ولا تجعلوا أنفسكم مُتحمسين لخطبهم (الخارم بارم)، فهؤلاء لا فائدة ترجى منهم، كل ما فعلوه أن استلموا هذا (البلد) من المستعمر كعروس، ثم أشاعوا في قلبه الوهن وقتلوه حتى صار كل فيه يذكرنا بالكفن.
واستمتعوا بالمونديال، حتى لو عبر شاشات الحكومة والأحزاب السياسة الأخرى، فكلها شاشاتكم وكلها أموالكم، ما عندهم فيها (التكتح)، ثم لا تصوتوا لأحدٍ منهم في الانتخابات المُقبلة، و(أكلوا توركم) وما تدوا صوتكم لأي سياسي، فهؤلاء أفيون الشعوب.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي